جمعة.. صانع براميل خشبية يكافح مع مهنته لمدة 57 عامًا
في شارع تحت الربع التاريخي بمنطقة الدرب الأحمر في القاهرة، لا يزال صدى حرفة قديمة يملأ الأرجاء بعبق التراث وعراقة الصنعة.
هنا في ورشة صغيرة تحيط بها ألوان الزمن وصوت المطرقة، يعمل العم علي حسن جمعة، 64 عامًا، على إحياء تقاليد صناعة البراميل الخشبية التي ورثها عن أجداده ورغم مرور 57 عامًا منذ أن بدأ العمل بجانب والده، فإن الحرفة لا تزال نابضة بالحياة بفضل إصراره وشغفه.
لا يزال العم "جمعة" متمسكًا بحرفته رغم صعوبة هذه المهنة اليدوية التي تتطلب مهارات خاصة وجهدًا بدنيًا شاقًا، فكل برميل خشبي يصنعه هو نتاج سنوات من الخبرة والحنكة، حيث يُظهر فيها حُسن تقدير المواد والتقنيات التقليدية التي لا يُمكن تعويضها.
النشأة والتعلم
بدأ العم علي حسن جمعة مسيرته في صناعة البراميل الخشبية تحت إشراف والده، عندما كان في السابعة من عمره، ورثًا هذه الحرفة عن أجداده، ما جعله جزءًا من سلسلة طويلة من صُناع البراميل في العائلة، ومنذ تلك السن المبكرة أصبح متقنًا لفنون هذه الصنعة، ومحملًا بالمعرفة والتقاليد التي توارثها عبر الأجيال.
خطوات صناعة البراميل
يصف العم علي جمعة مراحل عملية تصنيع البراميل الخشبية، قائلًا: "إنها تبدأ باختيار نوع الخشب المناسب، والذي يتطلب دراية خاصة بمزايا وعيوب الأنواع المختلفة، ثم تأتي مرحلة النحت والتقطيع؛ حيث ينبغي للحرفي أن يتمتع بقدرة على التعامل مع الأخشاب بطرق تعزز من قوة البرميل وتضمن قدرتها على مقاومة التسرب، بعد ذلك يتم تجميع الأجزاء وصقلها بواسطة الأطواق المعدنية المعروفة محليًا بالـ"شنابر"؛ لتثبيت الأجزاء معًا وضمان توافقها بشكل مثالي، بالإضافة إلى لمسات فنية؛ لإعطاء البرميل شكله النهائي الجمالي.
الاستخدامات المتعددة للبراميل
"كانت البراميل الخشبية في الماضي تُستخدم بشكل رئيسي لتخزين وحفظ البضائع الأساسية مثل الأعلاف، والعطارة، والزيوت، والمخللات، والأسماك المملحة؛ حيث توفر البراميل الخشبية حماية فعالة للمحتويات وتساعد في الحفاظ على جودتها لفترات طويلة، لكن مع مرور الوقت تطورت استخدامات البراميل الخشبية لتشمل الأغراض الديكورية؛ حيث أُدخلت عليها لمسات فنية لجعلها قطعًا أنيقة تتناسب مع الأثاث التقليدي والحديث" - كما يقول العم "جمعة".
جودة الخشب وتأثيره
يعتمد العم علي في صناعة البراميل على خشب الزان، وهو أحد أجود وأغلى أنواع الخشب المتاح؛ حيث يتميز بمتانته وقدرته على الحفاظ على جودة المنتج الذي يوضع داخله، مما يجعله الخيار الأمثل لصناعة البراميل التي تحتاج إلى تحمل الاستخدام طويل الأمد.
التحديات والمعوقات
واجهت تحديات عدة منها انخفاض الطلب على البراميل الخشبية؛ بسبب توفر البدائل الحديثة وارتفاع تكلفة المواد الخام، ومع ذلك أواصل العمل بشغف، مدفوعًا بحب الصنعة والحرص على الحفاظ على التراث العائلي.
يواصل صاحب الـ64 عامًا حديثه عن صعوبة عملية تصنيع البراميل الخشبية، موضحًا أنها "شهدت في السنوات الأخيرة، تحولًا ملحوظًا من كونها أداة عملية للتخزين إلى قطع ديكور تحمل الطابع الكلاسيكي وتعكس جمال الحرف اليدوية التقليدية، فأصبحت تتطلب لمسات فنية خاصة وجهدًا بدنيًا مضاعفًأ؛ لأتعامل مع قطع الخشب الثقيلة".
المستقبل وتطلعاته
وواجه جمعة صعوبات كبيرة، لكنه لم يتراجع عن قراره، وظل في مهنته متفائلًا بشأن مستقبل صناعة البراميل الخشبية؛ حيث يرى في التجديد والابتكار فرصًا لجذب الاهتمام من جديد إلى هذه الحرفة، ويأمل أن يواصل الجيل الجديد الاستفادة من تقاليد ومهارات الأجداد، مما يضمن استمرار هذه الصنعة العريقة لسنوات قادمة.