في إحدى حارات الدرب الأحمر بالقاهرة وبالأخص حارة سوق السلاح الشهيرة بالصناعات اليدوية، يتجسد شغف الفن والإبداع في قصة المهندس الزراعي "أحمد كراويه"، البالغ من العمر 54 سنة، حيث قضى سنوات طويلة في خدمة القطاع الزراعي، مستفيدًا من خبراته ودراساته العليا بكلية التربية، إلا أنه قرر أن يتبع شغفه القديم بالخشب والأعمال اليدوية، فبدأ رحلة جديدة في حياته المهنية، حيث ترك الهندسة الزراعية خلفه ليكرس وقته ومهارته لتحويل الشجر إلى قطع فنية تحمل بين طياتها قصة وحياة جديدة مستلهمة من الطبيعة وسحرها.
ويروي الرجل حكايته لـ«الدستور»، قائلًا: "كنت أعمل كمهندس زراعي لعدة سنوات، لكن صعوبة المواصلات، وقلة العائد المادي مقارنة بزيادة ساعات العمل، جعلتني أعيش ضغوطًا يومية لا تطاق، خاصةً أن الوقت الذي أقضيه في التنقل والجهد المبذول لا يتناسب مع المكافأة المالية التي كنت أتلقاها.. في ظل هذه التحديات بدأت أفكر بجدية في تغيير مساري المهني، وطالما كانت لدي رغبة دائمة في ممارسة حرفة الأويما التي برع فيها والدي لسنوات طويلة".
سرعان ما برع الرجل في صناعة الأويما، واستوحى فكرته القائمة على نحت الرسوم بخشب الأشجار، قبل ست سنوات عندما طلب منه أحد زبائنه عمل أنتيكة فريدة وجذابة، فواجه تحديًا في رسم شكلين على قطعة الأويما الرقيقة، ولذلك قرر نقل مهاراته إلى مستوى جديد بنحت الشكلين على جذوع الأشجار، فنجحت هذه التقنية المبتكرة وجعلت من أعماله شيئًا مميزًا يجذب الأنظار.
يقول "كراويه": "عندما أعمل على الخشب أشعر أنني أعطي الحياة لقطعة جامدة، فنحت الرسوم من اتجاهين مختلفين يضيف عمقًا وجمالًا للأعمال الفنية، ويظهر التفاصيل الدقيقة بطريقة لم تكن ممكنة من قبل".
واجه المهندس "كراويه" العديد من الصعوبات في بداياته عندما قرر تحويل شغفه بنحت الرسوم على خشب الشجر الطبيعي إلى واقع ملموس، حيث كان يقضي ساعات طويلة في التجريب والتعلم، محاولًا إتقان التقنية الجديدة التي ابتكرها، قائلًا: "كل قطعة خشب كانت تمثل تحديًا جديدًا، حيث تطلبت الدقة والصبر لتحقيق النتائج المرجوة".
ورغم الجهود الكبيرة التي بذلها، لم يكن الإقبال على أعماله في البداية كما كان يتمنى، لكن تقدير الجمهور جاء تدريجيًا مع استمراره في تطوير مهاراته وتحسين تقنياته، معتمدًا على ملاحظات القلة الذين كانوا يقدرون فنه منذ البداية، وبمرور الزمن تحولت الورشة إلى معرض صغير يستقطب عشاق الفن ومحبي التحف اليدوية.
تتراوح أسعار الأنتيكة التي يصنعها بين 100 و400 جنيه، وتعكس الأسعار جودة العمل اليدوي والوقت والجهد المبذولين في كل قطعة، ورغم الإقبال المتوسط على هذه الأنتيكات، إلا أنه يواصل العمل بشغف ليقدم لزبائنه قطعًا فنية فريدة تدمج بين الحداثة والتقليد.
لا يتوقف طموح "كراويه" عند حدود الدرب الأحمر، بل يسعى الآن لعرض أعماله في المعارض المحلية والدولية، ليشارك إبداعه مع جمهور أوسع وليثبت أن الفن اليدوي المصري قادرًا على المنافسة عالميًا.