محمود مطر يكشف لـ"الدستور" كواليس لقاءه الأول بـنجيب محفوظ (حوار)
يتذكر الكثير من المصريين رائد الرواية العربية، نجيب محفوظ، حيث تحل هذه الأيام الذكرى السنوية لرحيل في 30 أغسطس 2006، وقد جمع الكاتب محمود مطر لقاء بالأديب الكبير نجيب محفوظ، وكان هذا اللقاء سببًا في تأليف الأول كتابًا عن سيرة وحياة وإبداع نجيب محفوظ.
وتواصلت "الدستور" مع الكاتب محمود مطر، للكشف عن كواليس هذا اللقاء الذي لم يسطع الكاتب نسيانه أبدًا بل دفع للمزيد في الكتابة عن عالم نجيب محفوظ.
وقد كتبت عنه.. كيف ترى سيرة الأديب نجيب محفوظ؟
نجيب محفوظ هو الرمز المصري الأهم في دنيا الأدب، وإننا كمصريين يجب أن نفتخر بأن الله أهدى مصر هذا الرجل العظيم، سيرة نجيب محفوظ ملهمة لأي شخص يبحث عن النجاح والمجد.
ولفت محمود مطر إلى أنه يفضل هذا التعبير الذي قاله له الكاتب محمد سلماوي وهو إن “نجيب محفوظ هو خلاصة الشخصية القومية المصرية" في أبهى تجلياتها.
ماذا حدث في لقاء الشاب محمود مطر والأديب نجيب محفوظ؟
قابلته في بداية مشواري الصحفي، سنة 1992، في أحد فنادق القاهرة، وكنت أكتب موضوع عن الرواية العربية بعد فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، لإحدى الصحف العربية، وقال لي: هات ورقة وقلم واكتب ورايا، وكنت أناقشه طوال اللقاء بل واختلف معه.
كان أديبنا الكبير سعيد جدًا باختلاف هذا الشاب الذي لم يتجاوز من العمر 25 عامًا. وفاجئني قوله لي: “أنا أرحب باختلافك معي.. ولكن هذا رأي تأخذ به أو لا تأخذ”.
ثم قدم لي دعوة قائلًا: “ابقى شرفنا كل يوم جمعة في الندوة بتاعتي بـ كازينو قصر النيل”.
وشعرت بالندم لاحقًا لأنني لم يتمم دعوة نجيب محفوظ بالذهاب إلى ندوته،: للأسف بنزق الشباب في هذا الوقت لم أعرف قيمة هذه الدعوة، وحينما كبرت عكفت على تأليف كتابي "نجيب محفوظ.. حكايات الراوي الأعظم"، تعويضًا لنفسي إنني لم انتهز تلك الفرصة.
كيف كان نجيب محفوظ صاحب نوبل يدعم الشباب؟
كان نجيب محفوظ من أكثر الداعمين للشباب، فقد سبق وقابله الدكتور محمود الشنواني، أستاذ طب الأطفال، وكان حينها في أولى طب سنة 1976، وهو سائر بإحدى شوارع وسط البلد، فرأى الأديب الكبير ورحب به، وقال نجيب محفوظ له: “أنا سعيد بيك يا دكتور وتعالى ندوتي في قصر النيل، ومنها نشأت صداقة ممتدة بين نجيب محفوظ والشنواني، هذا يدل على أن نجيب محفوظ كان رجلًا بسيطًا جدًا، ومصريًا جدًا وحقيقيًا جدًا، ونبيلًا جدًا”.
تحدثت كثيرًا عن شخصية نجيب محفوظ “النبيلة” فماذا تذكر لنا؟
بالفعل له الكثير من المواقف التي تدعي نبله، يكفي أنه الأديب سعيد سالم، كان له رواية، ونجيب محفوظ قاتل حتى تنشر رواية الأول مسلسلة، في جريدة الأهرام، بدلًا من رواية لنجيب محفوظ نفسه.
كان هناك احتفال بمناسبة له -ربما عيد ميلاده- في مكان على النيل، وقد ذكر أحد الكتاب- أذكر الكاتب سعيد سالم- حديث سلبي عن أحد الشخصيات العامة، واكتشفوا في نهاية الندوة، أن أحدهم قد سجل الندوة، فأخذ نجيب محفوظ هذا شريط التسجيل، ثم رمى الشريط في نهر النيل حتى لا يستخدمه أي شخص ضد هذا الكاتب في يوم من الأيام.
وماذا عن نجيب محفوظ المصري الساخر؟
أذكر من ضمن مواقفه الساخرة، حينما كان راكبًا السيارة مع أحد أصدقاءه، وطلب نجيب محفوظ منه أن يقرأ له الجرائد، فقال: مصدر تصدر-عدد- طن بصل.
فرد عليه نجيب محفوظ ساخرًا: طب صن شوية عشان أسمع.
وأيضًا يذكر أنه قيل أمامه قصة إحدى الفنانات، كان أبيها تُربي، يدفن الموتى، فتزوجت رجل أبيه أيضًا تُربي، فعلق نجيب محفوظ على هذه القصة، قائلًا: علشان كده بيحبوا بعض “موت”.
ضحكات- أشياء كثيرة جدًا من هذا القبيل فكان نجيب محفوظ رجل مصري ساخر يحب الضحك.
كتبت عن نجيب محفوظ الشجاع ذو القلب الجرئ.. فماذا تذكر لنا؟
حينما رشح الأديب نجيب محفوظ، الكاتب محمد سلماوي، ليسافر لاستلام جائزة نوبل بدلًا منه، وإلقاء كلمته أمام الأكاديمية السويدية، فكان الرئيس مبارك يريد أن يرسل شخص آخر، فذهب محمد سلماوي، وقال له: أنا بعتذر يا أستاذ نجيب لأنني سمعت أن رئاسة الجمهورية تريد إرسال حد تاني، فرد عليه نجيب محفوظ: رئيس الجمهورية من حقه أن يرشح شخصًا، ولكني صاحب الموضوع وأرشحك وأصر عليك.
فكان نجيب محفوظ شجاعًا، ولم يخف من رئيس الجمهورية وقتها، وكان ينتقد كثيرًا الأوضاع في عصر مبارك، فوقت حادث الأقصر، الذي راح ضحيته عدد كبير من السائحين، فصرح وقتها بانتقادات لاذعة ضد الوضع القائم.
مع هذه الجراءة رأيناه رجلًا بسيطًا.. حدثنا عن نجيب محفوظ المتواضع
سمة التواضع كانت في شخصية نجيب محفوظ، الكاتب محمد جبريل كان أحد أصدقائه القدامى، وبعد فوزه بنوبل، إحدى دور النشر قررت أن تعيد طباعة أعماله الأولى، التي كتبها في شبابه المبكر، فاقترح الناشر أن يكتب له المقدمة الكاتب محمد جبريل، فرد عليه: على الرحب والسعة، وأشرف ان محمد جبريل يكتب لي المقدمة.. وهو ما أره تواضعًا من نجيب محفوظ الفائز بنوبل أنه مازال مخلصًا لأصدقائه.
وأيضًا كان يقول لتوفيق الحكيم دائمًا "يا أستاذنا"، ولم يناديه إلا بهذه الكلمة، حتى عندما فاز بجائزة نوبل، بعد رحيل الأول، صرح نجيب محفوظ أنه: لو فزت بها في حياة توفيق الحكيم كنت سأشعر بالحرج، وهذا الكلام أكدته لي ابنته هدى.
من الأدباء الأقرب لقلب صاحب نوبل؟
كان صديقه جدًا الكاتب ثروت أباظة، كان الأديب الصديق لنجيب محفوظ الذي كان مسموحًا له بدخول بيت الأستاذ نجيب محفوظ، وابنته هدى قالت لي إن ثروت أباظة من قدم لها في الجامعة، بطلب من أبيها.
وكان أيضًا يحب أن يمدح أصدقائه، فكان يقول للكاتب جمال الغيطاني: “يا جيمي”، وللكاتب يوسف القعيد: “يا جو” وكان معجب بأدبهم، وفي فئة الشباب كان نجيب محفوظ معجب بأدب محمود الورداني، محمد المخزنجي الذين كانوا شباب في عصره، وكان دائمًا يثني على أعمالهم.
رغم حادث الطعن الذ تعرض له.. عُرف عن نجيب محفوظ بذاكرته الحديدية
هذا حقيقي، أثناء كتابته عمله الأدبي “أحلام فترة النقاهة” كان يكتبها في أواخر حياته، وبعد حادث الطعن الذي تعرض له، لم يكن يعرف يستخدم يده اليمين، فخصصت له الأهرام كاتبًا ليملي عليه الرواية، فحينما مرض الكاتب، فجاءه الدكتور حسين حمودة لكي يكمل له كتابة الرواية، فجلس يملئ عليه 12 حلما من أحلام فترة النقاهة، كان نجيب محفوظ يحتفظ بهم في ذاكرته.