على جمعة: العفاف يجلب للمجتمع الخير ويحجب عنه الشر
قال الدكتور علي جمعة، مفتى الجمهورية الأسبق، إن من علامات العفاف في الإسلام أنه أمر بعدم الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبية إلا بطريقة آمنة، والمقصود بالخلوة هنا المكان الخاص وليس المكان العام، ومعيار الخصوصية والعمومية هو وجوب الاستئذان الذي يترتب عليه جواز النظر من عدمه، فالمكان الذي يجب علينا أن نستأذن للنظر إلى ما فيه ولا يجوز أن ندخله إلا بعد الاستئذان فهو مكان خاص، والمكان الذي لا يحتاج إلى استئذان كالطريق ووسائل النقل العامة والمساجد والمحلات العامة هو مكان عام، ولا يسمى انفراد الرجل بالمرأة أو المرأة بالرجل فيه خلوة، والنبي ﷺ يقول: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» (رواه الترمذي).
وتابع "جمعة" عبر صفحته اليوم: اهتم الإسلام أيضًا بالعفاف في الكلام فأمر به النبيُّ ﷺ حين نبه معاذًا فقال: «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» (رواه الترمذي). وربنا يقول في سورة النساء: (لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ)، ولكنه حث على العفو بعدها فقال: (إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًا قَدِيرًا).
ونهى ﷺ -من باب العفاف- عن التسول والرشوة والسرقة،كما نهى -من باب العفاف- عن السب واللعن والفحش والبذاءة، فقال: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبيَّ اللَّهِ دَاوُودَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» (رواه البخاري)، وقال: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي» (رواه أبو داوود)، وقال: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها» (رواه أحمد)، وقال: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ وَلاَ بِلَعَّانٍ وَلاَ بِالْفَاحِشِ الْبَذِيءِ» (مسند أحمد).
هذا كله من علامات العفاف في الظاهر، أما العفاف في الباطن والمفاهيم فله حديث آخر قد يكون أهم وأعمق من عفاف الظاهر الذي هو في غاية الأهمية في نفسه، وأرى أن فَقْدَنَا العفاف الظاهر والباطن يسبب كثيرًا من اختلاف المعايير والرؤى ويحدث الفجوات، مما يكون له تأثير سلبي على خططنا المختلفة لبناء حضارتنا والسعي لتقدم بلادنا، بل إنني لا أبالغ إذا قلت إن عدم العفاف يسد باب استجابة الدعاء من ناحية، ويوقع الضغينة بين الناس من ناحية أخرى، ويغبش على القلب الذي هو مهبط الرحمات الربانية من أن يرى الحق حقًا والباطل باطلًا، ونتيجة ذلك كله تنتشر الفتن في المجتمع وتعم الفوضى وتختلط الأوراق.
إن العفاف من الأدوات التي تجلب للمجتمع الكثير من الخير وتحجب عنه الكثير من الشر والفساد، فاللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، وأنت على كل شيء قدير.