على جمعة يكشف أهم أسباب شيوع سوء الأخلاق فى المجتمعات
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن من أهم أسباب شيوع سوء الأخلاق في المجتمعات والحضارات الإنسانية سوء الطعام، والنبي ﷺ يقول: «أطب مطعمك تكن مستجاب الدعاء» (رواه الطبراني في الأوسط) وهو حديث مكون من مقطعين، الأول -وهو لب كلامنا الآن- «أطب مطعمك»، وهو أمر يطلب فيه رسول الله ﷺ أن يطيب الإنسان مطعمه، وهو أحد الإرشادات النبوية الجامعة التي تندرج ضمن القواعد الأساسية لبناء الحضارة وتحقيق رخاء المجتمع، ويمكن للإنسان أن يطيب مطعمه على ثلاثة مستويات: مصدر الطعام، ونوعه، وسلوك تناوله.
وعن المستوى الأول: يجب أن يكون مصدر الطعام حلالًا، ومعنى هذا أن يكون مصدر الدخل حلالًا ليس فيه شيء من الرشوة أو السرقة أو الاختلاس أو الاغتصاب أو التدليس أو الغش، ويكون أيضًا بعيدًا عما حرم الله من المطعومات كالخمر والخنزير والميتة والدم المسفوح، قال تعالى: (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الأنعام: ١٤٥].
بل إن قصة آدم عليه السلام في القرآن بينت نكد أكل الطعام المخالف وجعلته سببًا للطرد من الجنة قال تعالى: (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ * قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) [الأعراف:٢٢-٢٤]. وقال الحسن البصري، رضي الله تعالى عنه: «كانت بلية أبيكم آدم أكله، وهي بليتكم إلى يوم القيامة»، فإن كان الطعام من مال حلال، وهو مما أحل الله من المطعومات دخل الطاعم حد استجابة الدعاء، ومن ثم أصبح قادرًا على رؤية الأمور من منظور سليم وتقييمها ببصيرة جلية واتخاذ القرارات المناسبة لإصلاح المجتمع وإعمار الكون.
أما المستوى الثاني: فهو أن يكون الطعام نفسه طيبًا في مذاقه، وفي إعداده، والذي يطلب هذا النوع من الطعام هو رقيق القلب، رهيف الحس، لا يدفعه الجوع لملء البطن دون تلذذ بالتذوق والاستحسان، وهي صفة نراها في قوله تعالى عن أهل الكهف بعد بقائهم ٣٠٩ سنين في سبات ونوم: (فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) [الكهف:١٩]، فلم يدفعهم الجوع إلى طلب أي أكل ولو كان حلالًا في ذاته، وفي مصدره، بل طلبوا أن يكون مرتبطا بأنه الأزكى، ثم تشير الآية إلى كمية الطعام وأنها برزق منه، ولم يقولوا فليأتكم به، وهنا نرى العلاقة مع الطعام نتيجة تزكية النفس، ونرى في حديث رسول الله ﷺ أن تزكية النفس من طيب المطعم حيث ذكر: «الرجل يطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذى بالحرام، فأنى يستجاب له» رواه مسلم.
وأما المستوى الثالث: فيختص بآداب تناولنا الطعام لما لها من أثر في حياتنا اليومية بجميع جوانبها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهذه الضوابط المأخوذة من القرآن والسنة تشكل عناصر مهمة في البناء الحضاري للمجتمع الإسلامي بل والبشري.