رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الدستور" تخترق عصابات التجارة الحرام فى سيارات ذوى الهمم

التجارة الحرام فى
التجارة الحرام فى سيارات ذوى الهمم

◄ رئيس الوزراء: 80% من هذه المركبات لم تصل إلى المستهدفين الأصليين

◄ مجموعات على «فيسبوك» تروج للنشاط الإجرامى علنًا دون خوف من المساءلة

◄سعر السيارات المعروضة يقترب من نصف المليون جنيه للواحدة

◄ المتورطون يبيعون السيارة بعد عام فقط من فترة الحظر بالمخالفة للقانون

◄ تجار يشترون أوراق أصحاب الهمم بسعر يبدأ من 5 إلى 40 ألف جنيه

فى عالم يمكن وصفه بالخفى، تختبئ قصص صادمة عن سوق مظلمة، أقدم فيها البعض على التجارة بآمال الفئة الأكثر ضعفًا فى المجتمع، تحت عنوان عريض اسمه: «خطابات المعاقين للحصول على سيارة»، لتتحول إعاقات البعض إلى بوابة عبور لثروات غير مشروعة.

ففى الوقت الذى أقر قانون حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة رقم ١٠ لعام ٢٠١٨، فى مادته التى تحمل رقم ٣١، إعفاء سيارات الأشخاص ذوى الإعاقة من الضرائب والجمارك وغيرها من الرسوم، بهدف التيسير عليهم وتوفير وسيلة نقل مؤهلة لهم- تحول هذا الحق إلى تجارة واسعة فى الأوراق المطلوبة للحصول على تلك السيارات. 

وتتضمن هذه العملية غير المشروعة حصول البعض على المستند اللازم لاستيراد السيارة المعفاة، الذى يحمل اسم الشخص ذى الإعاقة، ويُطلق عليه «خطاب المعاقين»، مقابل مبالغ مالية بخسة، مستغلين حاجته وفقره وحتى عدم معرفته وبساطته. هذا الواقع المرير تنبهت إليه الحكومة، لتبدأ خطوات إصلاحه بإجراءات عملية وفورية، خاصة أن من ٧٠٪ إلى ٨٠٪ من «سيارات المعاقين» لم تصل إلى المستهدفين الأصليين، واستولى عليها آخرون، وفق الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، حتى إن «العديد من ذوى الهمم لا يعلمون أصلًا نوع السيارة التى سُجلت بأسمائهم». 

فى التحقيق التالى، تسلط «الدستور» الضوء على الضحايا الحقيقيين لهذه التجارة غير الأخلاقية، وتتتبع خيوط الشبكة المعقدة من عصابات المستفيدين والوسطاء، والآليات التى مكنت جريمتهم من الازدهار فى الخفاء، إلى جانب رأى المتخصصين عن سبل مواجهة هذه الظاهرة.

بائعون يعرضون سيارات مرفقة بخطابات إعاقة:  «لن تواجه مشكلة مع المرور»

البداية كانت بالبحث عبر مواقع التواصل الاجتماعى عن «بائعى جوابات المعاقين» فوجدنا عدة منشورات و«مجموعات» على «فيسبوك»، تدور فى فلك تجارة هذه الخطابات، وتعلن عن نفسها بكل أريحية ودون أى خوف من المساءلة.

ووقعت «الدستور» على معرض سيارات يعرض سيارة للبيع بسعر ٤٢٠ ألف جنيه، مصحوبة بـ«جواب إعاقة لمرافق حركى صادر عن إدارة المرور فى الجيزة». 

وبالتواصل مع صاحب المعرض، أكد أن «السيارة متاحة للبيع، على الرغم من مرور عام فقط على فترة الحظر المفروضة على بيعها»، مشددًا على أن «هذا لن يُسبب أى مشاكل للمشترى مع المرور». 

ووفقًا للقانون الحالى، يمكن فك الحظر على سيارات المعاقين وبيعها، بعد مرور ٣ سنوات من الحصول عليها، بعد سداد الشخص المشترى رسوم الجمارك، بينما يمكن الانتظار لمدة ٥ سنوات لبيعها دون أى رسوم.

لم يكن هذا البائع الوحيد الذى تواصلنا معه، إذ ضمت القائمة بائعًا آخر فى منطقة العمرانية بالجيزة، عرض «سيارة للبيع مصحوبة بجواب إعاقة لمُرافِق». عبر تطبيق «واتس آب»، قال بائع العمرانية» لنا: «السيارة بـ٤٦٥ ألف جنيه، شاملة جواب الإعاقة»، مؤكدًا أن السيارة مرخصة بالفعل كسيارة مُرافِق، وأنها ملكه الخاص، وليس وسيطًا فى بيعها.

«الإفتاء»: بيع المركبات المدعومة حكوميًا «حرام»

حذر الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال بث مباشر على صفحة الدار على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، من بيع السيارات المدعومة حكوميًا قبل المدة المحددة، مؤكدًا أن هذا الفعل غير جائز شرعًا ومخالف للقانون.

وشدد «عثمان» على ضرورة الالتزام بالغرض الأساسى من التسهيلات الحكومية، داعيًا من لا يحتاج إلى تلك السيارات إلى عدم التقدم للحصول عليها أصلًا، وتركها لمن هم فى حاجة إليها.

وسطاء: «جواب المعاقين» بين 37 و45 ألف جنيه

عبر محادثة هاتفية مع «وسيط»، قال إنه يقدم خدمة «بيع جوابات سيارات الإعاقة» مقابل ٣٧ ألف جنيه، مشيرًا إلى أن الصفقة تشمل «جواب إعاقة مُرَخص من مرور القاهرة، بالإضافة إلى تقرير طبى يثبت حالة الإعاقة»، و«لا توجد أى مخاطر قانونية».

وسيط ثان قال، لـ«الدستور»، فى محادثة عبر «واتس آب»، إن «سعر تصريح ذوى الإعاقة الصادر من محافظة المنوفية يبلغ نحو ٤٥ ألف جنيه»، لافتًا إلى أن «الأسعار غير مستقرة، وتخضع للتغيير حسب المحافظة ورغبة صاحب الجواب».

وفيما يتعلق بالقرارات الحكومية الأخيرة لتقنين استيراد وترخيص سيارات ذوى الإعاقة، زعم الوسيطان أن: «هذه القرارات لن تؤثر على عملية بيع جوابات المعاقين». وعبر أحدهما بقوله: «الدنيا ماشية فيه زى ما هى».

وأعلن الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، عن وضع ضوابط جديدة تضمن وصول «سيارات ذوى الهمم» إلى مستحقيها الحقيقيين، نافيًا نية الحكومة إلغاء برنامج استيراد هذه السيارات بسبب التجارة غير المشروعة فيها.

وأكد «مدبولى» أنه سيتم فرض غرامات مالية على أى شخص يثبت استغلاله التسهيلات المقدمة لذوى الهمم دون وجه حق، مع تحصيل جميع المستحقات التى كان من المفترض أن تحصل عليها الدولة. وأفاد المستشار محمد الحمصانى، المتحدث الرسمى باسم مجلس الوزراء، بأن إحدى اللجان المشكلة فحصت وراجعت موقف نحو ٤٥٠ سيارة، فتبين لها أن معظم المستفيدين من هذه السيارات مواطنون أصحاء.

القانون يمنع البيع قبل 5 سنوات من امتلاك  المركبة المعفاة

ينص القانون المصرى فى المادة رقم ٢٩٥ من اللائحة التنفيذية لقانون المرور رقم ٦٦ لسنة ٧٣ على حق المواطنين ذوى الاحتياجات الخاصة فى امتلاك سيارة معفاة من الرسوم الجمركية، بشرط أن تكون السيارة مجهزة طبيًا مسبقًا، وسعة المحرك لا تتجاوز ١٦٠٠CC.

وللحصول على هذه السيارة، يتم تقديم الطلبات للمجالس الطبية المتخصصة بالقاهرة أو المجلس الطبى العام فى الإسكندرية، التى تقوم بفحص الطلبات والمستندات، واجتياز جلسات المقبلين على شراء السيارة، تحت إشراف لجنة تشكل بموجب القرار الوزارى رقم ٤٣١ لسنة ٧٨.

وبعد الحصول عليها، يحظر على مالكها بيعها فى مدة ٣- ٥ سنوات، وبعد فك الحظر يمكنه بيعها وإزالة التجهيزات الطبية بها والحصول على سيارة جديدة بنفس الخطوات السابقة، لكن إذا أراد البيع بعد ٣ سنوات، فعليه دفع ١٠ آلاف جنيه للسماح بالبيع المبكر، أما البيع بعد ٥ سنوات فيتم الإلغاء التلقائى لحظر البيع، وذلك بموجب قرار من الجمارك للمرور، يتم إرساله خلال شهرين.

«الغرف التجارية»: تمييز اللوحات المعدنية يكشف «المتلاعبين»

قال علاء السبع، عضو شعبة «السيارات» بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن الفترة الأخيرة شهدت حدوث الكثير من التجاوزات فى ملف السيارات المخصصة لذوى الهمم، سواء بانتحال البعض صفة ذوى الهمم من أجل الحصول على الامتيازات المتعلقة بهذه السيارات، أو من خلال التلاعب فى الأوراق الخاصة بإثبات حالة الإعاقة.

وأضاف «السبع»: «لذلك بدأت الدولة فى وضع قيود وإجراء مراجعات دقيقة للغاية، بهدف إيصال هذه السيارات إلى مستحقيها فقط، ومنع حالات التلاعب المتزايدة فى الفترة الأخيرة، خاصة أن ذلك يضيع على الدولة ملايين الجنيهات، ويمنع وصول الدعم إلى مستحقيه». وواصل: «فى ظل جهودها لمواجهة المتلاعبين وضعاف النفوس الذين يستغلون المزايا المقدمة لسيارات ذوى الهمم، يجب ألا تنسى الدولة ذوى الهمم الحقيقيين، الذين لم يبيعوا أوراقهم بهدف التربح، ويرغبون بالفعل فى امتلاك سيارات تساعدهم فى تحركاتهم». ونبه إلى أن «هذه الفئة تأثرت سلبيًا بتلك الظاهرة، دون أن يكون لها أى ذنب فى ذلك، وهو ما ظهر فى تأخر حصولها على السيارات المستحقة، ما يتطلب من الجهات المعنية تعويضها، عبر الإسراع فى إنهاء أوراق السيارات الخاصة بها، وفى الوقت نفسه معاقبة المخالفين». أما اللواء عبدالسلام عبدالجواد، عضو شعبة السيارات، فرأى أن أزمة «سيارات ذوى الهمم» بدأت بفتح الفرصة لاستيراد سيارات تزيد سعة محركها على cc 1600، بما يعنى إمكانية تملك سيارات فارهة ذات علامات تجارية باهظة الثمن، مثل «رانج روفر» وغيرها، ليتحول الأمر منذ ذلك إلى «تجارة». وأوضح «عبدالجواد» أن جمرك السيارة التى يفوق محركها سعة ١٦٠٠ CC قد يصل إلى ١٠ ملايين جنيه، لذا بدأ ذوو النفوس الضعيفة التطلع للحصول عليها مُعفاة من هذا المبلغ الضخم، عن طريق دفع مبلغ بخس للشخص من ذوى الاحتياجات الخاصة، فى مقابل الحصول منه على الخطاب الذى يفيد بأنه من هذه الفئة، لامتلاك السيارة الفارهة دون دفع جمارك ومن دون وجه حق. وأضاف عضو شعبة «السيارات»: «الدولة انتبهت مؤخرًا إلى تلاعب هؤلاء المستغلين فى شراء سيارات ذوى الهمم، لذا فرضت العديد من القيود للسيطرة على هذه الظاهرة»، مقترحًا فى هذا الصدد «تمييز» السيارات الخاصة بذوى الهمم، من خلال طلاء لوحاتها المعدنية بلون آخر مميز عن اللوحات المعدنية الخاصة بالسيارات الأخرى. وواصل: «هذا التمييز يُسهل على رجال المرور كشف سائقى السيارات غير المستحقين، وبالتالى تنفيذ العقوبة المقررة عليهم فورًا. كما أنه يتيح فرصة أمام سائقى السيارات الأخرى لتوخى الحذر فى القيادة بمحيط السيارة التى يقودها الشخص من ذوى الهمم، مراعاةً لظروفه الصحية».

«مصنعى السيارات»:قصر الاستيراد على 10 آلاف مركبة شهريًا بسعة لترية لا تزيد على ١٢٠٠ سى سى أبرز المقترحات لمواجهة «المافيا»

كشف اللواء حسين مصطفى، المدير التنفيذى لرابطة مصنعى السيارات، عن أن القانون رقم ١٠ لسنة ٢٠١٨، تم استخدامه من قِبل كثيرين بغير النطاق المخصص، وهو ما نتج عنه أن أصبح بعض ذوى الهمم لا يستفيدون استفادة مباشرة من السيارات التى خصصتها الدولة لهم، إذ نشأت طبقة من التجار يقومون بشراء الأوراق الخاصة بالحصول على هذه السيارة من أصحاب الهمم، وهى شهادة الإعاقة والخدمات المتكاملة، وذلك نظير مبلغ يبدأ من ٥ آلاف جنيه، ولا يتعدى ٤٠ ألف جنيه، وفى النهاية يتحصل هذا التاجر على السيارة معفاة تمامًا من كل الجمارك والضرائب والرسوم دون وجه حق.

وأشار إلى أن الدولة وفرت ميزة أخرى إضافية لذوى الهمم، تتمثل فى إمكانية حصولهم على سيارات مستعملة مستوردة، مشيرًا إلى أن بيع هذه السيارات اشتهر بطريقة غير شرعية فى العديد من المناطق، منها ميناء بورسعيد، إذ يأتى المشترى إلى هناك ويشترى السيارة بفارق سعرى كبير، ويقسم المكسب بين هذا المشترى والتاجر الذى اشترى السيارة من ذوى الهمم، والذى قام بهذا العمل الخارج عن القانون. وتابع: «عدد ذوى الهمم فى مصر بين ١٠ و١٢ مليون فرد، وقد يتجاوز ذلك بقليل، وقد وصل عدد السيارات التى دخلت إلى مصر بغرض استخدامها لهم خلال العام الماضى إلى ٦٨ ألف سيارة، وهو ما يوضح حجم التلاعب للحصول على هذه السيارات، بينما، ومع تضييق الدولة على المتلاعبين وقيامها بالمراقبة المشددة، دخل فى النصف الأول من هذا العام نحو ٣٠٠٠ سيارة فقط»، مؤكدًا أن ذلك يأتى نتاجًا لكون الدولة قد انتبهت لتلك السرقة، الأمر الذى يعتبر تهربًا جمركيًا وسرقة لمواردها، التى هى فى الأول والأخير أموال الشعب.

وأشار إلى أن الدولة أوقفت لذلك استيراد السيارات الخاصة بذوى الهمم لمدة ٦ أشهر، لحين دراسة تعديلات القانون، ووضع ضوابط معينة، موضحًا أنه يجب أن تقوم وزارة التضامن بدراسة تعديلات اللائحة التنفيذية مع وزارة المالية المسئولة عن الجمارك. ونوه إلى أن هناك العديد من المقترحات لحل تلك المشكلة، ولكنها لم تصدر بعد على هيئة قانون، ومنها قصر استيراد السيارات على ١٠ آلاف سيارة فقط شهريًا، وأن تكون السعة اللترية للسيارات المستوردة لا تتجاوز ١٢٠٠ سى سى، لا ١٦٠٠، كما هو الحال فى القانون الحالى، وفى حال أراد المشترى شراء سيارة أكبر من هذه السعة يدفع فرق الجمارك وتعامل سيارته معاملة السيارات العادية.

وأكمل: «من بين المطلوب للتعديلات أيضًا أن يكون للمعاق حق فى شراء سيارة واحدة كل عشر سنوات، وليس كل ٥ سنوات، وأن يكون للأسرة الواحدة الحق فى شراء سيارة واحدة فقط، حتى ولو تضمنت وجود أكثر من فرد من ذوى الهمم».

واقترح المدير التنفيذى لرابطة مصنعى السيارات أن تتضمن التعديلات المطلوبة إلزام وزارة التضامن الاجتماعى بعمل بحث شخصى عن المعاق، لبيان قدرته على سداد المستحقات المطلوبة، والقيام بقيادة السيارة والإنفاق عليها، بالإضافة إلى إعطاء الدولة مهلة للذين قبض عليهم بالفعل من ذوى الاحتياجات الخاصة من المتورطين فى بيع سياراتهم لاستغلالها من قبل آخرين، وذلك لحين توفيق أوضاعهم ودفع الجمارك على تلك السيارات.