حلم مُجمد.. كيف يساعد تجميد البويضات على إعطاء فرصة جديدة للأمومة؟
في عالم تتسارع فيه عقارب الساعة، تجد كثيرات من النساء أنفسهن في سباق مع الزمن، بين متطلبات الحياة المهنية والطموحات الشخصية، قد تجد المرأة نفسها تخطت الخامسة والثلاثين دون أن تحقق حلم الأمومة، لكن العلم الحديث يقدم لها بارقة أمل تتمثل فى تقنية تجميد البويضات.
تخيلي لحظة يتوقف فيها الزمن، حيث تُحفظ إمكانية الإنجاب في حالة من السبات المؤقت، منتظرة اللحظة المناسبة للاستيقاظ، هذه هي قصة تجميد البويضات، التقنية التي تمنح النساء فرصة لتجميد خصوبتهن، وكأنها تحفظ قطعة من شبابهن في كبسولة زمنية.
*"تجميد البويضات" عملية تحدث عبر استخراج البويضات وتجميدها وتخزينها في النيتروجين السائل لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد وفقًا لطلب مكتوب من صاحبتها لاستعمالها في حمل لاحق في الوقت الذي تتزوج فيه مهما تأخرت سنها.
“الدستور” تجيب على هذا التساؤل: كيف أصبح تجميد البويضات درع وقاية للنساء ضد شبح انقضاء فرصة الأمومة، وكيف يمنح هذا الإجراء الوقائي الأمل لأولئك اللواتي يرغبن في تأجيل الإنجاب دون التخلي عن حلم تكوين أسرة في المستقبل؟، من خلال أطباء ومتخصصين .
بويضات مجمدة تذيب مخاوف الساعة البيولوجية
في قلب القاهرة، تقف أسماء (اسم مستعار)، ابنة الثالثة والثلاثين، شامخة كشجرة واثقة تتحدى رياح الزمن، عيناها تلمعان بأمل متجدد، وهي تروي قصتها المليئة بالتحديات والعقبات، لكنها في النهاية تصل إلى بر الأمان، "كانت رحلة محفوفة بالصعاب"، تبتسم "أسماء" وهي تتذكر مشوارها مع تجميد البويضات، "لكن كل خطوة، كل عقبة، كانت تستحق العناء".
وكأنها حررت نفسها من قيود غير مرئية، تصف "أسماء" شعورها بعد العملية: "أشعر وكأن ثقلًا هائلًا قد أُزيح عن كاهلي، ولم أعد أسيرة لعقارب الساعة البيولوجية التي كانت تطاردني، والآن، أستطيع أن أتنفس، وأختار بحرية، فالزواج ليس سباقًا نحو إنجاب طفل، بل إنه رحلة لبناء أسرة،
واختتمت قائلة: " نعم، أتوق لأن أصبح أمًا يومًا ما، لكني الآن أملك ترف الوقت لاختيار الشريك المناسب، لبناء علاقة متينة، لخلق بيئة يزدهر فيها طفلي ويكبر سعيدًا ومتوازنًا".
رحلة "هناء" نحو الأمومة المؤجلة
من القاهرة إلى الإسكندرية، تتحدث "هناء" (اسم مستعار)، وهي في أوائل الأربعينيات، وتحمل في عينيها حلمًا يأبى الاستسلام لعقارب الساعة المتسارعة، وكمحاسبة في شركة خاصة، اعتادت "هناء" على الأرقام والحسابات الدقيقة، لكنها الآن تواجه معادلة أكثر تعقيدًا؛ معادلة الأمومة المتأخرة.
وبعزيمة لا تلين، شرعت في رحلة البحث عن مركز للحقن المجهري، أملًا في تجميد بويضاتها، فكانت كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، تنتقل من مركز لآخر، تدقق في التفاصيل، وتزن كل خيار بميزان الذهب، لكن الطريق لم يكن مفروشًا بالورود.
من ناحية، وقفت أسرتها حائط صد أمام رغبتها، متذرعين بمخاوف من النصب تارة، ومن ألسنة المجتمع اللاذعة تارة أخرى، ومن ناحية أخرى، وجدت نفسها في متاهة قانونية، حيث غياب التشريعات المنظمة لعملية تجميد البويضات جعل الأمر أشبه بالسير على حبل مشدود دون شبكة أمان.
وكأن هذه العقبات لم تكن كافية، واجهت تحديًا آخر؛ وهو رفض المراكز الطبية توقيع عقود تضمن حقوقها وخصوصيتها، فوقفت أمام أبواب هذه المراكز كمن يقف أمام قلعة منيعة، تحاول الولوج إليها دون جدوى
"كل ما أريده هو ضمان لحقي"، همست بصوت مختنق بالأمل والخوف معًا: "أريد أن أطمئن على مصير بويضاتي، على خصوصيتي، على مستقبل أمومتي المحتملة"، وفوق كل هذا، تلوح في الأفق تكاليف باهظة، كجبل شاهق يتحدى تسلقه، لذا فهي تقف الآن على حافة القرار، تزن بين حلمها في الأمومة وبين الواقع الصعب الذي يحيط بها.
ويبقى السؤال الدائر، هل عمليات تجميد البويضات هي أمل جديد للأمومة أم أنها غير آمنة، ويجيب عن ذلك عدد من المتخصصين.
أخصائي حقن مجهري: تجميد البويضات يناسب الآنسات والمتزوجات
يقول الدكتور إسلام شمس، أخصائي النساء والتوليد والعقم، وأخصائي جراحات المناظير والحقن المجهري، وعضو الجمعية الأوروبية للخصوبة والعقم، إن هناك فرق جوهري بين تجميد البويضات وتجميد الأجنة؛ فتجميد البويضات هو عملية استخراج البويضات من المبيض وحفظها بتقنيات التجميد المتطورة، وهذا الخيار مناسب للسيدات غير المتزوجات اللواتي يشعرن بالقلق إزاء خصوبتهن المستقبلية، أو للسيدات المتزوجات الراغبات في تأجيل الإنجاب.
أما بالنسبة لتجميد الأجنة، فيضيف "شمس": "هنا نقوم بتخصيب البويضات المستخرجة بالحيوانات المنوية للزوج، ثم نقوم بتجميد الأجنة الناتجة، وهذا الإجراء يوفر الوقت والتكلفة في حالة الرغبة في الحمل مستقبلًا عن طريق الحقن المجهري".
ويختتم ناصحًا: "للسيدات المتزوجات، أنصح بشدة بخيار تجميد الأجنة، نظرًا لفوائده المتعددة".
أستاذ أمراض نساء: جودة البويضات المجمدة لا تقل عن مثيلاتها الطازجة
وكشف الدكتور هشام صالح، أستاذ أمراض النساء والتوليد بكلية الطب جامعة الإسكندرية، عن أهمية تقنية تجميد البويضات كأحد أبرز التطورات في مجال الحقن المجهري والخصوبة، موضحًا أن هذه التقنية تكتسب أهمية خاصة مع بداية تراجع الخصوبة عند النساء بعد سن الـ 37، مضيفًا: "تجميد البويضات يفتح آفاقًا جديدة للنساء في حالات محددة".
وحدد "صالح"، في حديثه، 3 حالات رئيسية يُنصح فيها بتجميد البويضات؛ السيدات المقبلات على العلاج الكيماوي أو الإشعاعي، النساء الراغبات في تأجيل الإنجاب لأسباب شخصية أو مهنية، والزوجات غير المستعدات لخطوة الحقن المجهري والمحتاجات لفترة علاج إضافية.
وطمأن السيدات قائلًا: "جودة البويضات المجمدة لا تقل عن مثيلاتها الطازجة، ويمكن الاحتفاظ بها لسنوات عديدة دون تأثير على فعاليتها"، مختتمًا: "هذه التقنية تمنح النساء فرصة ثمينة لزيادة احتمالات الإنجاب المستقبلي بكل يسر وسهولة".
دار الإفتاء تجيز تجميد البويضات بضوابط شرعية
وعن رأي الدين، فقد صدرت فتوى حديثة عام 2019، أعلنت فيها دار الإفتاء المصرية جواز عملية تجميد البويضات شرعًا، مع التأكيد على ضرورة الالتزام بضوابط محددة، موضحة أن هذه العملية تندرج تحت مظلة حفظ النسل، وهو مقصد شرعي أساسي، وحددت أربعة ضوابط رئيسية لضمان شرعية الإجراء.
وتلك الضوابط هي: وجود دافع مشروع للتجميد، ضمان حفظ البويضات بشكل آمن يمنع اختلاطها، اقتصار التخصيب على الزوجين فقط، وحصر زرع البويضة المخصبة في رحم صاحبتها.
وأكدت الفتوى أن تجميد البويضات يعتبر امتدادًا لعملية أطفال الأنابيب المقرة شرعًا، مشددة على أهمية الالتزام بالضوابط المذكورة لضمان مشروعية الإجراء وحفظ النسل.