رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ولا تسرفوا

تحدثت من قبل عن أهمية الترشيد فى حياة جميع المصريين.. ففى ظل الأوضاع الصعبة الراهنة التى يعانى منها المواطنون لا بد أن يتم تغيير فعلى فى فلسفة الاستهلاك، وهذا التغيير لا بد أن يشمل كل المناحى، سواء كانت غذائية أو غيرها فى استخدام الخدمات، ومن الضرورة تفعيل ثقافة الترشيد بدلًا من ثقافة الإسراف؛ لأننا فى أشد الحاجة إليها فى ظل هذه الظروف القاسية التى يواجهها المواطن أمام ارتفاعات جنونية فى أسعار كل شىء.. وقد يرد قائل: وهل هناك فرصة أساسًا لتفعيل هذا الترشيد؟ ويعلل أو يبرر موقفه بأن الترشيد مفروض رغمًا عن أنف المرء!! هذا الكلام له ما له وعليه ما عليه؛ لأن ثقافة المصريين واضحة وجلية فى أمور كثيرة، على رأسها الإسراف فى كل شىء.. فنجد على سبيل المثال لا الحصر أنوارًا كثيرة موقدة فى النهار قبل الليل، فى حين أن الأسرة لا حاجة لها لكل ذلك.. وآخرون يحصلون على كميات كثيرة من الخبز ولا يتم تناوله ويتعرض للعفن ويلقى فى صناديق القمامة.

وهكذا فإن قضية الترشيد مهمة جدًا فى ظل الأزمات والتحديات الصعبة التى يواجهها المواطن المصرى، وفى ظل الارتفاع الجنونى فى أسعار كل شىء.. ماذا يضير المواطن لو اشترى ما يكفيه وأسرته فقط دون زيادة عن الحاجة الضرورية؟ الحقيقة أن قضية الترشيد باتت ملحة لنسف ظاهرة بالغة السوء المتمثلة فى الإسراف. ومن لم يصدق يتوجه إلى صناديق القمامة ليرى ما بها.. ولا أحد يختلف معى أن المصريين ما زالت لديهم ثقافة الإسراف، رغم الأزمات والتحديات الصعبة التى تواجهها البلاد. ولا بد من المشاركة المجتمعية من جانب المواطنين، فلا يجوز بأى حال من الأحوال أن نترك الأمور على عاتق الدولة بمفردها، ولا أعنى أبدًا أن تتخلى الدولة عن دورها فى ضرورة توفير الحياة الكريمة للمواطنين، فهذا واجب على الدولة وحق أصيل للمواطنين. أقول هذا الكلام بمناسبة ضرورة مواجهة الأزمات، سواء كانت غذائية أو خدمية بالترشيد، كنوع من المشاركة المجتمعية، ففى قضية ارتفاع الأسعار التى تعد عالمية ومصر جزء من هذا العالم، لا بد من التصدى لهذه الظاهرة من جانب المواطنين بالترشيد، وبمعنى أدق وأوضح لا بد من الاستغناء عن السلع التى تحتوى على رفاهية، وفى هذا الصدد تتم مواجهة جشع التجار وفوضى الأسواق، إضافة إلى الرقابة المشددة من جانب الحكومة على الأسواق ومواجهة محتكرى السلع.

الترشيد ضرورة مهمة مثلًا فى أزمة الكهرباء، وهل هناك بذخ فى عملية خدمة الكهرباء؟! الحقيقة نعم، مثلًا نجد أعمدة الإنارة مضاءة نهارًا قبل الليل، ونجد المسئولين فى الأحياء لا يؤدون واجبهم فى هذا الشأن، ويرون بأعينهم هذه المأساة ولا أحد يتحرك!! إضافة إلى الإسراف الشديد فى عملية استهلاك المواطنين، المنزل كله إضاءة، فى حين أن المواطن يجلس فى مكان واحد، وهذا مرفوض، جملة وتفصيلًا، ونضيف إلى ذلك أن كل المحلات والڤاترينات تستهلك طاقة كبيرة دون داع، وإلا فما معنى أن نجد محل أحذية مفتوحًا حتى الفجر، فهل هذا من المنطق أن ترى طرح أحذية للبيع طوال الليل، وهذا فى حد ذاته قمة فى الإسراف، ويجب اتخاذ الإجراء القانونى ضد من يقوم بذلك.

صحيح أن هناك إجراءات حكومية صدرت مؤخرًا بتحديد مواعيد فتح وإغلاق المحلات، إلا أنه حتى هذه اللحظة، ما زال الكثير من أصحاب المحلات لا يعبأون بذلك إلا من رحم ربى. وقد صدرت من قبل قرارات ولم تنفذ، لذلك وجب على الحكومة سرعة المراقبة فى حسم وحزم، بدلًا من هذا الإسراف الشديد فى الكهرباء، وخلاصة القول: لا بد من مشاركة المواطنين الدولة من خلال الترشيد وعدم الإسراف فى كل شىء، وهذا ليس صعب التحقيق.

ومن مصلحة المواطن تفعيل كل ما من شأنه التوفير فى ظل هذه الأزمات والتحديات الصعبة.. الإسراف آفة والترشيد نعمة وفضيلة.