رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صمت الملامح والتشتت الذهنى لطفل «الإنترنت» علامات مخيفة.. انتبهوا جميعًا!!

عالم مخيف ومرعب يحتضنه الطفل بين كفيه الصغيرتين، أو جالسًا أمام شاشات الكمبيوتر يتصفح ويتنقل بين تطبيقات قد لا يستوعبها عقل لم ينضج بعد، أو يدرك أسرار وخبايا هذا العالم الذى يعرف بشبكة الإنترنت.
هل تساءل الأباء يومًا ما عن الصمت والهدوء اللذين يرتسمان على ملامح وجه طفلهم وهو منعزل مع تليفونه المحمول؟  هل أدرك المعلم فى المدرسة أن التلاميذ فى الفصل قد يغشاهم النعاس وقلَّ إدراكهم الذهنى بسبب أن هؤلاء التلاميذ لم يخلدوا لنومهم مبكرًا ولم يأخذوا قسطًا كافيًا من النوم بما يؤثر على نشاطهم الذهنى فى استيعاب دروسهم؟.. حين يبحث الآباء والمعلمون الإجابة عن هذه الأسئلة أو عن الأسباب وراء حالة صمت الملامح والتشتت الذهنى وفقدان الإحساس بالزمان والمكان، لن تكون هناك مفاجأة أو أسباب غريبة عن الواقع الذى نعيشه بعد أن تركنا أطفالنا يعيشون حياة موازية وعالمًا افتراضيًا واستقطاع ساعات بين التنقل من تطبيق إلى تطبيق آخر وصفحات لا يدرك الطفل محتواها ومدى خطورتها.. فى وقت بات فيه الاشتراك بشبكة الإنترنت ضرورة حتمية لكل أسرة ورصد مبالغ مالية للحصول على سرعة فائقة لهذه الشبكة، بل أصبح الإنترنت وجبة أساسية يومية لا يمكن الاستغناء عنها. 
إن أخطر ما يشكله استخدام تطبيقات الإنترنت لدى الأطفال حالة العزلة والهروب من العالم الحقيقى إلى عالم افتراضى يصل لحد فقد سيطرة الآباء على أطفالهم وعدم القدرة على التعامل والتعرف عليهم.. إنهم أطفال يتشكلون بأساليب وقواعد قد لا نعرفها أو بالأحرى لا توجد قيم وعادات وتقاليد تمثل العالم الواقعى الذى نعيشه.
هل يدرك الآباء أن معظم الأطفال وهم يتصفحون التطبيقات المختلفة قد يتعرضون لحالات من التنمر والسخرية؟، هل يدرك البعض أن هناك أشخاصًا كبار السن موجودون على صفحات الإنترنت وهم يتظاهرون أنهم فى سن أطفالكم ويزعم هؤلاء المدعون بأنهم أطفال يقومون بابتزاز أطفالكم؟ أو يفعلون ماهو أخطر من التنمر، وذلك بقيامهم بابتزار الأطفال جنسيًا وماديًا؟.. هذا ما أثبتته أبحاث علمية عن طريق رصد وتتبع تطبيقات يكون الأطفال عرضة لمثل هذا الجرائم، الأمر الذى يفسر لنا حالة الصمت والتشتت التى تعلو وجوه أطفالنا جراء تعرضهم لمثل هذه الجرائم.. قد يختلق المجرمون على شبكة الإنترنت القصص المثيرة والمرعبة وأيضًا الحكايات التى تثير الشفقة بهدف إيقاع الضحية وارتباطهم بالمجرم الذى نصب شباكه، وتنشأ صداقة واهية كاذبة بين الطفل والمجرم ويزداد تعلقه به ثم تأتى لحظة وقوع الطفل فريسة سهلة مستصاغة ويفعل به المجرم ما يشاء من تدمير أخلاقى وجسدى ونفسى.. كل هذا يتم بعيدًا عن سيطرة الأسرة ولا أحد يعرف أو يفسر صمت الملامح والعزلة وانكسار النفس لطفل لايملك من أمره شيئًا سوى أنه يجلس طويلًا وبين كفيه هاتفه المحمول المتصل بشبكة الإنترنت.
الإحصائيات العالمية تقول إن مستخدمى الإنترنت فى العالم 33% منهم أطفال، أى كل واحد طفل من كل 3، وفقًا لتقارير المفوضية الأوروبية، كما كشفت الأرقام المنشورة فى موارد وفقًا لما نشرها موقع الأبحاث السوقية لشركة «DataReportal» عن استخدام الرقمنة فى مصر أوائل هذا العام بلغ  82.01 مليون نسمة، وبحسبة بسيطة تقريبية يمكنا القول إن ثلث هذا العدد أطفال من مستخدمى الإنترنت، أى ما يقرب من 27،5 مليون طفل. 
أيضًا من بين التطبيقات التى يفضلها الأطفال تطبيق الـ«تيك توك» كشفت نفس الشركة البحثية أن تيك توك كان لديه 32.94 مليون مستخدم تبلغ أعمارهم 18 عامًا أو أكثر فى مصر فى أوائل عام 2024. وأن أرقام إعلانات «تيك توك» وصلت إلى 46.7% من جميع البالغين الذين تبلغ أعمارهم 18 عامًا أو أكثر فى مصر فى بداية عام 2024. 
إنها أرقام مخيفة، لاسيما أن شريحة الأطفال من مستخدمى مثل هذا التطبيق تجاوزت الملايين، واللافت للنظر أن بعض الدول أيقن خطورة مثل هذا التطبيق وأصدرت قرارات بحجب «التيك توك» وهذا ما تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية فى طريقها إلى غلقه أيضًا.
ما سلف ذكره لا يعنى أن المتصل بشبكة الإنترنت لن يجد إلا السلبيات تلتف حول عنقه، على العكس تمامًا هناك من وسائل التعليم والترفيه وبناء العقل ما نقف له احترامًا وتقديرًا، هذا يعتمد على الأهداف التى يحددها الطفل ونساعده فى اختياراته وهو يتنقل بين صفحات التطبيقات، إنها تطبيقات اخترعت من أجل إسعاد البشرية وليس لتكدير صفو حياتنا جميعًا، لكن «ولاد الحرام ماخلوش لولاد الحلال حاجة» كما يقول المثل الشعبى، وتبقى المتابعة ولغة الحوار مع الأبناء حصنًا حصينًا لكل ما هو وافد يهدد حياتنا.
ومن ثم الحديث عن طرق العلاج تبدأ بمحو الأمية التكنولوجية للوالدين حتى يتسنى لهما مراقبة ومراجعة تطبيقات الإنترنت وما يستجد خلال هذا العالم ومن ثم يكون الحوار بناءً بين الأباء والأبناء بهدف حمايتهم من مخاطر قد تحدث.
أما فيما يخص قوانين تحريم وتجريم استخدام الأطفال دون الثالثة عشرة، كما تحددها بعض الدول، يصعب تطبيقها وإن كانت وقائية إلى حد كبير، فضلًا عن تفعيل هذه القوانين تعتمد فى الأساس على الدور الرقابى للأسرة أولًا، والذى يتلخص فى تفعيل برامج الحماية على الجهاز المتصل بالإنترنت ويستخدمه الطفل، فضلًا عن تعليمهم المستمر على الاستخدام الآمن والحديث إليهم بمخاطر ما قد يتعرضون له من التصفح غير الآمن على شبكة الإنترنت.
وأكرر هنا ما كتبته من توصيات فى مقال سابق لوزير التربية والتعليم أن تصبح دراسة التقنية الحديثة مادة بحثية لطلاب المدارس يتعرفون من خلالها ويتدارسون أهم التطبيقات المرتبطة بشبكة الإنترنت، على أن تتضمن الأبحاث التى يقدمها تلاميذ المدارس وجهة نظرهم التى خلصوا إليها من واقع أبحاثهم تتضمن السلبيات والإيجابيات من التعامل مع شبكة الإنترنت، هدف هذه الأبحاث حماية التلاميذ من مخاطر استخدامات تطبيقات الإنترنت وتنمية العقل النقدى لدى الطفل بعيدًا عن التلقين والحفظ للمواد العلمية.