رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى عيدها.. الأدب الشعبى القبطى للسيدة مريم العذراء

الكنيسة
الكنيسة

تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في مصر والمهجر، بعيد إصعاد جسد السيدة مريم العذراء، والذي يأتي ختامًا لفترة صوم استغرقت 14 يومًا، بدأت يوم 7 من أغسطس الجاري.

وعلى خلفية الاحتفالات أطلق الدكتور إبراهيم ساويرس، أستاذ اللغة القبطية وآدابها المساعد، نشرة تعريفية عن العذراء في الأدب القبطي، في إشارة إلى أن هذه النشرة لا يجب أن تؤخذ على أنها ملاحظات عقدية، بمعنى عقيدة القبط في العذراء، بل بالحري تصور القبط (التصور الشعبوي) للسيدة العذراء مريم من خلال مجموعة كبيرة من النصوص القبطية.

وقال: ألفت النظر أولًا لعظة شهيرة منسوبة لكيرلس الأورشليمي (عاش في القرن الرابع). العظة اكتشفت ضمن مجموعة مخطوطات إدفو وإسنا، والمحفوظة حاليًا في المكتبة البريطانية وتواريخ نسخها تدور حول القرن العاشر. ونشرها العلامة واليس بدج.. العظة تبدو وكأنها نص دفاعي مصمم للرد على مهرطق يدعى إبيون وتلاميذه. يجب هنا تجاهل ما نعرفه عن إبيون (الواقعي) ونترك الكاتب القبطي بصعيديته الرائقة يقدمه لنا أولًا ثم يقدم الرد على ادعاءاته بعدها. عند كاتبنا المجهول (لأنه بالطبع ليس كيرلس الأورشليمي كعادة النصوص المنحولة) يرى إبيون أن العذراء لم تكن من بنى آدم، بل كانت "أو ديناميس" وهي كلمة يونانية/ قبطية تعني "طاقة/ قدرة/ تأثير". وما دامت العذراء ليست إنسانة فمعنى ذلك أن الإله المتجسد منها لم يحصل على طبيعة إنسانية كاملة، وهو اعتقاد راسخ عند القبط.

وأضاف: ردًا على مغالطة إبيون، يبدأ كيرلس الأورشليمي (أو الكاتب المجهول) في تفنيد الهرطقة بالحديث عن آدمية العذراء الكاملة، ثم يروي الأورشليمي أن العذراء حكت له بنفسها عن أسرتها، ثم ندخل في حديث طويل عن والد ووالدة السيدة العذراء والقليل عن نسبها الشريف كطفلة يهودية مؤمنة. يجب التنبيه هنا إلى أن الكثير مما نعرفه عن السيدة العذراء ولا يوجد بالكتاب المقدس وارد بتلك العظة، ربما كان لذلك مصادر منحولة أو أبوكريفية أقدم، وربما كان مصدره تقليد شفاهي مصري أقدم، لكن النص يستمر في تقديم أدلته على آدمية السيدة العذراء ويصل لقمته عندما يقول إن العذراء لو كانت "طاقة" ما كانت لتموت. ويدخل في وصف تفصيلي ليوم نياحة العذراء والذي من المفترض أن النص قد كُتب ليلقى فيه (21 طوبة).

وتابع: في تصور الأورشليمي أن العذراء كانت تعرف موعد نياحتها، وقد كلفت التلاميذ بالإعداد لدفنها كما كل البشر. فمثلًا كان دور بطرس الرسول هو إعداد الأكفان، وقد كلف بطرس الرسول تلميذه بيبروس (هذا التلميذ معروف من نص قبطي آخر) بشراء الأكفان والاحتفاظ بها في منزله لحين الساعة. ثم يستمر النص في تفاصيل الإعداد لدفن السيدة العذراء ككل البشر، وللمزيد يمكن مراجعة النص الكامل في نشرة بدج Miscellanies Coptic Texts. ويجب التنبيه على أن هذا النص كان شعبيًا جدًا عند القبط، وله على الأقل ثلاث نسخ قبطية صعيدية تختلف فيما بينها قليلًا، راجع مثلًا الباحثة شيمي ناكانو في العدد 14 من دورية Journal of Coptic .Studies

وأردف: عند القبط أيضًا نصوص أخرى تعالج ذات القضية، منها نص صعيدي منسوب لإفوديوس الروماني. إفوديوس شخصية مثيرة للجدل جدًا ولا نعرف الكثير عنه، لكن النصوص القبطية تقدمه باعتباره أحد تلاميذ بطرس الرسول وأول أسقف بعده على مدينة روما. في عظة إفوديوس تأتي ذات رواية الترتيب لنياحة العذراء مع الاختلاف في بعض التفاصيل. العظة ذاتها جاءت من مخطوط صعيدي من مجموعة الحامولي (الفيوم) وتاريخ نسخها أيضًا مقارب لتاريخ نسخ سابقتها وقد نشرها إستيفن شوميكر. العظتان تركزان على آدمية العذراء، وأنها ككل البشر تموت. وبالتالي فالإله المتجسد منها قد حظى بالطبيعة الآدمية الكاملة إلى جانب طبيعته اللاهوتية. ثم تنتقل تلك النصوص للحديث عن صعود جسد العذراء الطاهر إلى السماء بتفاصيل أخرى ليست محل كلامنا اليوم.

واستطرد: بصورة عامة لدينا غنى واضح في النصوص الصعيدية التي تتناول السيدة العذراء، قام أبو الأدب القبطي، العلامة تيتو أورلاندي بعمل قوائم وفهرسة لها في كتابه الصغير العظيم Coptic Texts Relating to the Virgin Mary: An Overview. أما عن تقاليد نياحة العذراء، فهي ممتدة في الشرق المسيحي كله، وهناك نسخ كثيرة إثيوبية وسريانية وغيرها من هذه الروايات. وقد ناقش أغلبها إستيفن شوميكر في كتابه المهم Traditions of the Virgin Mary’s Dormition and Assumption والصادر عن جامعة أوكسفور عام 2002. بعد ذلك الكتاب اكتشفت شذرات كثيرة قبطية عن نفس الموضوع نشرها هانز فورستر وغيره.