رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سندباد مصرى

«سندباد مصرى» هو عنوان أحد أكثر الكتب التى قرأتها فى شبابى إثارة ومتعة. وتأتى أهمية وروعة هذا الكتاب من قدرته الفائقة على مزج التاريخ بالأدب، من خلال أسلوب «الحكاية»، من هنا العنوان المختار للكتاب «سندباد مصرى» والعنوان الفرعى «جولات فى رحاب التاريخ»، فهو أشبه برحلات السندباد، لكنه هنا «سندباد مصرى» عبر عصور الحضارة المصرية.

الأمر الآخر الذى جذب انتباهى أثناء وبعد قراءة هذا العمل المهم هو شخصية مؤلف الكتاب، الدكتور حسين فوزى، إحدى أهم القامات الثقافية فى تاريخ مصر فى القرن العشرين، وأحد الرموز الفكرية للقومية المصرية. منذ بداية الكتاب يُصرح لنا حسين فوزى بأنه هنا لا يلعب دور المؤرخ، بل يلعب دور الراوى، ومن البداية يُعلن فوزى عن هويته الفكرية، هو أحد الرموز الفكرية للتيار القومى المصرى؛ إذ يعتبر حسين فوزى، المولود فى عام ١٩٠٠، ابنًا لثورة ١٩، هذه الثورة التى يقول عنها فى كتابه: «سوف يُشرق فجر القومية المصرية فى سنة ١٩١٩، حركة الشعب المصرى فى مارس من ذلك العام وما تلاه، جديرة بعناية المؤرخين، لأنها تميزت بكل صفات القومية الكاملة، لا أثر فيها للدين، ولا للملة، ولا زيغ فيها نحو خلافة الباب العالى، أو نحو المحتل».

وتعتبر شخصية حسين فوزى نموذجًا مهمًا لثقافة أبناء هذا الجيل، جيل ما بعد ثورة ١٩١٩. ربما لا يعرف البعض أن حسين فوزى قد تخرج فى مدرسة الطب، وعمل بالفعل طبيبًا، لكن جاءته بعد ذلك بعثة إلى فرنسا حيث درس العلوم، وتخصص فى علوم البحار. لكن هذا الجيل كان يؤمن بالثقافة الموسوعية؛ إذ كان حسين فوزى محبًا للموسيقى، وأصبح من أهم المتخصصين فى مصر فى الموسيقى الكلاسيكية، ويشهد له بذلك البرنامج الثانى بالإذاعة المصرية، هذا البرنامج المخصص للموسيقى الكلاسيكية. ولم يكتف فوزى بذلك بل كان أديبًا رصينًا، ومن أهم كُتاب المقالات الأدبية فى الصحافة المصرية، وفضلًا عن هذا وذاك كان حسين فوزى مولعًا بقراءة التاريخ، وله فى ذلك كتابات عديدة من أشهرها الكتاب الذى سبق الإشارة إليه «سندباد مصرى»، هذا الكتاب الذى سطر فوزى فى مقدمته إهداءً خاصًا إلى صديقه توفيق الحكيم، صاحب «عودة الروح» التى تُعد علامة فارقة فى تاريخ الفكر القومى المصرى.

درس فوزى فى فرنسا، وانشغل بدراسة الحضارة الغربية، بل تزوج من فرنسية، لكنه لم يسقط فى فخ «التغريب»؛ إذ رفض فوزى التضخيم المبالغ فيه فى دور الحملة الفرنسية فى تحديث مصر، بل وصف نابليون وتصرفاته فى مصر بـ«الشعوذة النابليونية»، وأشار أيضًا إلى «الأساطير التى أذاعها كُتاب الغرب المطنطنون بالملحمة النابليونية». وفى مقابل ذلك أشاد حسين فوزى بالدور المهم الذى لعبه أبوالفكر المصرى الحديث «رفاعة رافع الطهطاوى» فى تحديث الفكر، والجسر الذى بناه بين الحضارة الغربية «الفرنسية» والحضارة الشرقية «المصرية».

هذا كتاب لا بد أن يُقرأ، وهذا تاريخ لا بد منه.