متحف جديد وعشوائيات عتيقة
مع كل هذا الإنفاق السخى لتجهيز هضبة الأهرامات والمناطق التى حولها، ألم يكن من الأولى التفكير بشكل فيه بعد نظر للقضاء على العشوائيات هناك؟، الفرصة مواتية للقيام بهذه الخطوة، خاصة مع خبرات الحكومة والأجهزة المتخصصة فى القيام بممارسات جريئة فى مناطق أقل أهمية.
هذا المكان فيه أعظم آثار أبدعها الإنسان على الإطلاق. آثار هى الأهم فى العالم كله.. والجميع يعرف قدرها، لكننا غفلنا، أو جهلنا، هذه القيمة لأسباب عديدة.
وكنت أظن أن مناسبة ضخمة مثل افتتاح المتحف المصرى الكبير هى فرصة لتطوير المنطقة بأسلوب عصرى، والتوقف عن خطط التجميل الجارية حاليًا، التى لا تهتم إلا بالمظهر الخارجى، وتترك الوضع على حاله.. بل ربما أسوأ مما كان عليه. لقد تأخر افتتاح المتحف الجديد، فى البداية بسبب كورونا، ثم لتأخر الإنشاءات من حوله، ولرغبة السيد الرئيس فى أن يُجرى للمنطقة المحيطة كلها تطوير وتحديث شامل، فلنفكر فى تأجيل آخر، أو يتم الافتتاح على أن تنفذ الحكومة خطة طموحة للتخلص من كل المربعات العشوائية التى ظهرت فى العقود الأخيرة. لتتعامل معها وكأنها مناطق شديدة الخطورة على أصحابها.. ويجب التدخل الفورى لإزالتها أو تطويرها بشكل دقيق. أنا أعتقد أن المناطق المحيطة بالأهرامات كانت لها الأولوية عن القاهرة الإسلامية والجبانات القديمة بها، هذه الضجة التى أثيرت بشأن هدم وتجريف مقابر ومنشآت عتيقة، لو انتقلت هذه الممارسات لعشوائيات منطقة الأهرامات لساندناها على طول الخط. هو مشروع عملاق وطموح ويُكلف عشرات المليارات، لكنه مهم جدًا، هو استثمار قومى للمستقبل، والأهم أن غرضه الأساسى تصحيح الأخطاء التى وقعت فيها الحكومات المصرية وأجهزتها التنفيذية على مدار خمسة عقود على الأقل. مشروع سيحظى بمعارضة واسعة من البعض، لكن الأغلبية ستدعمه، بشرط دراسته بشكل جيد وضمان مساندة مستثمرين وطنيين له، والاشتراك فى تمويله، والأهم أن يجرى تعويض الناس بشكل جيد، أى تحفيزهم للقبول بهذا التطوير. لقد زرت معالم أثرية عديدة شرقًا وغربًا، أزعم أنها جميعها أقل فى قيمتها بكثير مما هو موجود فى هضبة الأهرامات من عظمة وتألق وجمال وشموخ، لكننى أزعم أيضًا أنه لا توجد عشوائيات وزحام وعدم تخطيط فى أى من هذه المواقع، مثل الذى تشهده المنطقة المحيطة بهضبة الأهرامات، وصولًا لدهشور وسقارة.. وغيرها من المناطق الأثرية بالجيزة. أما عن حال الطرق وتكدس القمامة على جوانب الطريق فحدث ولا حرج. وما دفعنى لكتابة هذه الفكرة، ما قرأته يوم الإثنين الماضى حول جولة رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى يرافقه وزير السياحة والآثار ومحافظ الجيزة ومسئولو هيئة الآثار لمنطقة هضبة الأهرامات؛ لمتابعة تطوير مداخل الهضبة.. والمنشآت الثقافية والترفيهية والخدمية بالمنطقة. لا أحد ينكر حجم الجهد المبذول فى المنطقة القريبة من المتحف الجديد، جرى تخطيطها بشكل حديث، تمت إزالة نادى الرماية تمامًا.. هناك جسر يعلو الميدان يربط بين المتحف وأحد أطراف الهضبة، هناك عمل دءوب طوال الشهور الماضية؛ لتحسين واجهات البيوت التى تطل على الطريق الدائرى والشوارع الأخرى، التحديث امتد للطريق الصحراوى والفيوم، شاركت كليتا الهندسة فى جامعتى القاهرة وعين شمس فى وضع مخطط شامل لتطوير ورفع كفاءة المحيط الجغرافى للمتحف المصرى الكبير، اعتمد المخطط بشكل رئيسى على خلق رؤية عصرية لأعمال التنسيق العام للمنطقة، احتلت بانرات ضخمة تتضمن صورًا مختارة لأهم القطع الأثرية التى يضمها المتحف الكبير.
وبقى فقط فى هذا المجال الإشارة إلى أنه ينبغى وصول التحديث لأسلوب التعامل مع السائحين، أعتقد أن المؤشرات توحى بأن مديرى المتحف على مستوى التحدى، هم مؤهلون لذلك، ولديهم دراية بأساليب الإدارة فى المتاحف الشبيهة فى العالم، ما أقصده هنا هو أسلوب التعامل فوق الهضبة، لدينا عشوائية تامة فى التعامل مع السائحين، هناك من يقدم دعاية سلبية لمصر والسياحة فيها من أمام الأهرامات الثلاثة، توجد خطط عديدة لتطوير المكان. جولة الدكتور مدبولى وباقى المسئولين فيها معلومات عديدة حول التحديث الجارى بالمنطقة. شركات وطنية تابعة للقطاع الخاص تتولى الإدارة والتطوير، لكن على أرض الواقع لا يوجد تغيير حقيقى، عشوائية واستغلال للسائح، وكأنه ضحية وقع فى فخ.. وللخروج منه عليه أن يدفع بسخاء، صفحات التواصل الاجتماعى وبعض المواقع الأجنبية غنية بحوادث عديدة، أعرف مصريين وأجانب تعرضوا لمضايقات عديدة، ورغم الدعاية السلبية من وراء ذلك، لا يوجد تدخل رسمى للتغيير. شرح لى مسئول حكومى سابق، له خبرة فى الثقافة والآثار ويحظى بسمعة ثقافية دولية، أن هناك مافيا تتحكم فى منطقة الأهرامات.. وبعض الموظفين التنفيذيين مستفيدون من استمرار هذا الوضع. وهؤلاء أقوى من كل خطط الحكومة لتطوير المنطقة.. ولا حل إلا بإدارة شبه عسكرية للمكان. حينها استغربت منطق الرجل، لكن بعد أن تعمقت فى المشاكل وتواترها وما يجرى على الأرض، تحمست لفكرته، مطلوب التخلص من عشوائيات المبانى والبشر فوق هضبة الأهرامات وحولها.