رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثلاثة زعماء غيّبهم الموت فى أغسطس

لفت نظرى أمر قد يكون فى ظاهره غريبًا، لكنه فى حقيقة الأمر له دلالة ومعانٍ كثيرة جدًا.. من خلال عدة قراءات بشأن الزعماء الذين توفاهم الله فى شهر أغسطس نجد أن عددًا كبيرًا منهم لقى ربه فى هذا الشهر. هل لهذا تفسير؟ أعتقد أن لهذا دلالة وهى أن الزعماء على مر العصور والقرون تجمعهم قضية واحدة وهى الاهتمام بالوطن.. وعلى سبيل المثال لا الحصر فى هذا الشأن نجد أن ثلاثة من زعماء مصر الوطنيين وهم: سعد زغلول ومصطفى النحاس وفؤاد سراج الدين قد لقوا ربهم فى شهر أغسطس.. سراج الدين توفى فى ٩ أغسطس عام ٢٠٠٠، والنحاس فى ٢٣ أغسطس عام ١٩٦٥، وسعد فى ٢٣ أغسطس ١٩٢٧.

كل واحد من هؤلاء الزعماء خالدى الذكر له إنجازات واضحة لا ينكرها إلا كل حاقد أو جائر. فسعد زغلول هو مؤسس حزب الوفد وقاد الحركة الوطنية المصرية فى هذا التوقيت، وأشعل ثورة المصريين فى مارس ١٩١٩ عندما تم نفيه مرتين إلى مالطة وسيشل. وكانت تشغله قضية وطنية بالدرجة الأولى وهى ضرورة جلاء الإنجليز، ومنح المصريين حقوقهم كاملة فى الاستقلال. وتمثلت وطنية سعد زغلول فى ثلاثة محاور رئيسية هى: إلغاء الحماية البريطانية، وإلغاء الأحكام العرفية، والمراقبة، قبل الدخول فى أى مفاوضات. 

وقد أجبرت مواقف سعد الوطنية الحكومة البريطانية على إعلان استقلال مصر، وقيام السلطان أحمد فؤاد فى ١٥ مارس ١٩٢٢ بتنصيب نفسه ملكًا على البلاد.

وفى إطار الحديث عن ثورة ١٩ باعتبارها قصة كفاح شعب عظيم، يؤكد الكاتبان الكبيران لمعى المطيعى والمستشرق جاك بيرك أن ثورة ١٩ وطنية ديمقراطية قادتها البرجوازية المصرية، وشملت جميع المناحى السياسية والاقتصادية، والاجتماعية والعسكرية، بهدف جلاء المستعمر البريطانى.

ولا يمكن أبدًا إغفال دور الزعيم الوطنى خالد الذكر مصطفى النحاس، الذى حمل الراية من بعد «سعد»، لتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ ثورة ١٩١٩ تعمل فى اتجاهين: التصدى لفساد القصر، والحفاظ على الدستور وحماية مصالح الأمة والمحافظة على حقوقها.

وسعى النحاس إلى استكمال استقلال مصر بإبرام معاهدة ١٩٣٦ وإلغائها، وأول من أطلق شرارة الكفاح المسلح ضد بريطانيا العظمى، وقال: تقطع يدى، ولا أمضى وثيقة فصل السودان عن مصر.

لقد تبوأ النحاس رئاسة حزب الوفد فى «١٩ سبتمبر ١٩٢٧»، كما انتُخب رئيسًا لمجلس النواب خلفًا لـ«سعد». وقد اشتهر بقوة وطنيته ونزاهته ونظافة يده وقربه من الله وقلوب الجماهير، وقد جعل النحاس نصب عينيه العمل فى اتجاهين: الأول: هو ضرورة التصدى لأوتوقراطية القصر، والحفاظ على الدستور من تدخل الملك وعبث حكومات الأقلية، والثانى: كان السعى إلى استكمال استقلال مصر بإبرام معاهدة تحالف مع بريطانيا، وحول الاتجاه الأول ذكر النحاس: «إن سياسة الوفد فى الداخل ترمى إلى صيانة الدستور، وتأكيد الوحدة والمحافظة على الائتلاف، أما الدستور فإننا نعتبره الثمرة الأولى التى جنيناها من جهادنا، والتى يجب علينا أن نحرص عليها كل الحرص».

وبالنسبة للاتجاه الثانى، فقد ذكر النحاس أنه يأمل فى الوصول إلى اتفاق مع بريطانيا يقوم على الاحترام المتبادل، والحقوق المشروعة لكلا الطرفين التى لا تتناقض مع الاستقلال.

وفى ٩ أغسطس عام ٢٠٠٠، غيّب الموت الزعيم خالد الذكر فؤاد سراج الدين، تلك الشخصية الوطنية ذات التاريخ الحافل بالنضال الوطنى قبل ثورة ٢٣ يوليو وبعدها حتى وافته المنية، وهو من الشخصيات العظيمة التى حفل بها تاريخ مصر الوطنى، فهو مدرسة وطنية ومناضل كبير من أجل طرد المحتل البريطانى ومن أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. هو من أفنى حياته جهادًا ضد كل الأنظمة الفاشية المتغطرسة التى مارست القهر والاستبداد وإهدار كرامة المواطن.

ومن حسن حظى أن أتتلمذ على يد هذا الزعيم خالد الذكر، الذى كان الفارس النبيل مصطفى شردى أول رئيس تحرير لصحيفة الوفد، رحمه الله، يقدمنا إليه ونحن ما زلنا نحبو فى عالم الصحافة على اعتبار أننا كبار رغم صغر سننا.

فقد كنت واحدًا ممن التصقوا بالباشا فؤاد سراج الدين، نحضر مجالسه ونستمع إليه بآذان صاغية، ونتعلم منه ونأخذه المثل الأعلى والقدوة الحسنة، ومن حسن حظى أيضًا أننى عرفته طيلة خمسة عشر عامًا، حتى وافته المنية عام ٢٠٠٠. 

كان مدرسة فريدة فى تاريخ الوطنية المصرية.. والجميع يعلم تمامًا أن فؤاد سراج الدين قدم كل مبادرات الإصلاح السياسية ولم تتم الاستجابة لها.

رحم الله الثلاثة الوطنيين الأحرار: سعد، والنحاس، وسراج الدين.