الدليل هو: غياب الإرادة الأمريكية
هناك تساؤل مهم جدًا، وهو: هل فعلًا الولايات المتحدة الأمريكية لديها إرادة سياسية حقيقية لوقف الحرب الإسرائيلية الغاشمة التى اندلعت منذ السابع من أكتوبر الماضى، وما زالت رحاها دائرة حتى هذه اللحظة؟. الإجابة عن هذا التساؤل بالقطع هى أن أمريكا ليس لديها هذه الإرادة السياسية!. وذلك لأنها تصر على تنفيذ مخططاتها التآمرية الإجرامية ضد كل الدول العربية، وليست فلسطين وحدها.
وجاءت هذه الحرب لتكون الشرارة الجديدة لاستكمال المخططات التى بدأت فيما مضى منذ ٢٠١١ حتى الآن. وكلنا يعلم أن المخطط الصهيو- أمريكى لم يحقق كل أغراضه، اللهم إلا فى بعض الدول العربية المجاورة التى سقطت خلال هذا الوقت فى بحور الفوضى والتقسيم والنعرات الطائفية. لذلك لا بد من وقفة متأنية أمام الدور الأمريكى الصهيونى فيما يتعلق بالمنطقة.
ثم هل فعلًا أمريكا وبريطانيا تريدان التخلص من الجماعات الإرهابية التى صنعتاها بأيديهما؟.. وهل فعلًا أمريكا تبدأ الحرب الحقيقية ضد هذه التنظيمات؟. وعلى حد مزاعمهما بذلك: هل ستكون هناك عمليات استقرار فى الدول التى زرعت الولايات المتحدة فيها الفتنة، وغزت العرقيات بها؟.. هل ستعود الأوضاع فى اليمن والعراق وسوريا وليبيا والسودان مرة أخرى إلى ما كانت عليه من توحد قبل دخول الأمريكان والصهيونية فى هذا الشأن العربى؟
أسئلة تبحث عن إجابات حاسمة فى ظل مخاوف حقيقية لهذه البلدان العربية التى تواجه التشرذم الآن، وإسالة الدماء بين أبناء الوطن الواحد.. الحقيقة أن الهدف الذى تنشده أمريكا وبعض دول المجتمع الدولى هو هذا الوضع الحالى، الذى بدأته بزعم تحقيق الديمقراطية، وبزعم التخلص من بعض الحكام الذين مع الأسف الشديد أتاحوا الفرص لتحقيق المآرب الأمريكية والغربية؛ بسبب تصرفاتهم وأفعالهم العلنية والخفية ضد شعوبهم. الحرب المعلنة الآن من صناعة أمريكا وأعوانها، لتحقيق الهدف الصهيونى فى تقسيم الأمة العربية، وتحويلها إلى دويلات صغيرة وطوائف وملل ومذاهب عرقية؛ أشبه ما تكون بالماضى عندما كانت هناك دويلات الطوائف، وبالتالى لا تهش ولا تنش، ولا تكون فيمن حضرت أو غابت.
الدليل الواضح هو ما نقوله لأن الشواهد كلها تؤكد ذلك، لأن أمريكا وأتباعها الغربيين لا تزال تدعم إسرائيل بالأموال وتفتح لها الأبواب المغلقة، وتمدها بالأسلحة والأموال. ولا أكون مبالغًا إذا قلت إن بريطانيا التى تبدو بعيدة عن الأحداث هى الأخرى تؤدى دورًا بالغ الأهمية، ولا تزال تعمل بسياسة تشكيل العصابات الإرهابية. فهى متخصصة فى ذلك منذ القرن الماضى، وبهذه السياسة كانت وراء التشكيل العصابى الصهيونى الذى احتل أرض فلسطين، ومنذ إنشاء الوطن القومى لليهود على هذه الأرض المباركة، من خلال وعد «بلفور» الذى تحقق وقامت بعده دولة إسرائيل. ولا تزال بريطانيا تتبع نفس السياسة، والذى يحدث الآن فى الوطن العربى هو النسخة الثانية من اتفاقية «سايكس بيكو» الثانية.. تحويل الدول العربية إلى حالة حرب داخلية تعتمد فى المقام الأول على التمزق والتشرذم، وإعلاء الطائفية والعرقية.
وفى المقابل نجد أمريكا تلعب دورًا ظاهريًا يتمثل مرة فى صناعة التنظيمات الإرهابية، وأخرى فى الحرب على هذه الأدوات، ليتحقق المخطط اللعين المسمى بالشرق الأوسط الجديد، الذى يعتمد على تقسيم كل دولة عربية إلى ثلاث أو أربع دويلات.. فما أشبه الليلة بالبارحة.
ومن نعم الله على مصر أنها أدركت هذه الكارثة، وكشفت عن المخطط الذى كانت تعتزم جماعة الإخوان تنفيذه، ليس لصالحها كما تدعى، وإنما لصالح الصهيونية، وأستغرب أكثر أن الجماعة الإرهابية كانت تتصور خطأ أنها فى بدايات تحقيق الخلافة المزعومة، وهى فى الحقيقة تهدى مصر إلى الصهيونية لتقسيمها إلى دويلات. والشعب المصرى الذى قام بأعظم ثورة فى ٣٠ يونيو كانت عناية الله له تحرسه حتى لا تقع مصر فى فخ التقسيم، الذى بدأت مصائبه الآن فى عدد من البلدان العربية.
ولذلك ليس بغريب على الإطلاق ما تقوم به أمريكا ودول المجتمع الدولى من دعم كامل لإسرائيل بالأسلحة والأموال وخلافه. إضافة إلى أن هذه الدول جمعاء تطلق تصريحات جوفاء بخلاف الحقيقة المرة التى تحدثت عنها آنفًا، وهى ضرورة تنفيذ المخطط الصهيو- أمريكى بتقسيم الأمة العربية. ومن نعم الله أن مصر دولة تدرك هذه المخططات والمؤامرات وتتصدى لها بكل قوة، ومن أجل هذا وجدنا أن كل الجهود المصرية التى تتقدم بها القاهرة لوقف الحرب الإسرائيلية لا يتم النظر إليها على الإطلاق، بل نزيد أمرًا بالغ الأهمية، وهو التحرشات الكثيرة التى تحدث للدولة المصرية، والتهديدات الخطيرة التى تتعرض لها، باعتبار أن العين عليها لضمان السيطرة على المنطقة بأسرها.