الحرب العالمية الثالثة!
أطلق الرئيس الأمريكى السابق، والمرشح الجمهورى الحالى ترامب، أحدث تصريحاته النارية قائلًا إن العالم يسير فى اتجاه الحرب العالمية الثالثة! ونظر البعض إلى هذا التصريح الخطير على أنه يندرج ضمن سلسلة التصريحات النارية والمثيرة للجدل التى اعتاد ترامب إطلاقها. ورأى البعض الآخر أن هذا التصريح يأتى ضمن حملة الدعاية المضادة التى يشنها ترامب على السياسة الخارجية لحكم الرئيس بايدن، فى إشارة ترامبية واضحة على أن كل هذا التوتر الدولى ما كان ليحدث لو كان ترامب فى الحكم!
وبالقطع كل هذه التفسيرات السابقة لتصريح ترامب هى صائبة إلى حدٍ كبير، لكن هذا التصريح على وجه الخصوص مهم وخطير، ويعبّر عن قراءة صادقة لحالة التوتر الدولى التى يعيشها العالم فى هذه الأيام. ربما يرد البعض بأن هذه الأزمة ستمر، كما استطاع العالم تجاوز العديد من الأزمات الدولية فى هذا العقد. ربما يحمل هذا المنطق فى التفسير قدرًا من الصحة، لكن الجدير بالملاحظة أنه يحمل أيضًا قدرًا أكبر من الخطأ، وعدم القدرة على القراءة الجيدة لحوادث التاريخ، وعلى وجه الخصوص فى رصد الأجواء والتوترات السابقة على حدوث كلٍ من الحربين العالميتين الأولى والثانية.
يخبرنا التاريخ بأنه يمكنك أن تبدأ الحرب، ولكنك لن تستطيع إيقافها بسهولة. وتؤكد حوادث التاريخ أن كل طرف، سواء فى الحرب العالمية الأولى أو حتى الثانية، لم يكن راغبًا فى الانزلاق إلى «حرب عظمى»، هذا هو الاسم الذى اختاره العالم للحرب العالمية الأولى، لأنه لأول مرة وجد العالم نفسه يدخل فى حرب شاملة لم يعرف مثيلًا لها من قبل، فأطلق عليها أولًا «الحرب العظمى»، لأنه كان يعتقد أنها الأولى والأخيرة، لكنه وجد نفسه ينزلق من جديد إلى حرب عظمى أكثر فداحة ودموية، فأطلق على الأولى «الحرب العالمية الأولى»، وعلى الأخرى «الحرب العالمية الثانية»، ومنذ عام ١٩٤٥ وحتى الآن يحاول العالم جاهدًا للحيلولة دون الانزلاق إلى الحرب العالمية الثالثة.
عودة من جديد إلى منطق أن هذه أزمة دولية ستمر، مثلما مرت أزمات سابقة عديدة، هذا هو المنطق الذى ساد العالم قبيل الحرب العالمية الأولى، حيث مر العالم بأزمة سباق التسلح، وأزمة التحالفات الدولية، وأزمة فى الصراع على مراكش، وأزمة حرب البلقان، إلى أن جاءت القشة التى قصمت ظهر البعير: حادث اغتيال ولى عهد النمسا على يد طالب صربى! وحتى بعد اندلاع الحرب، كان هناك أمل على أنها مجرد أزمة صغيرة سيستطيع العالم تخطيها، لكن العالم انزلق سريعًا فى الحرب.
المنطق نفسه يمكن تطبيقه على الأزمات السابقة على الحرب العالمية الثانية؛ إذ حدثت مشكلة نزع السلاح المدمر وفقًا لمبادئ عصبة الأمم، وتم تخطى هذه الأزمة، ثم مشكلة اليابان ومنشوريا الصينية، ثم مشكلة هجوم إيطاليا على الحبشة، ثم مشكلة الحرب الأهلية الإسبانية، ربما تخطى العالم هذه الأزمات، أو غض الطرف عنها، لكنها كانت مقدمات للانزلاق إلى الحرب العالمية الثانية فى عام ١٩٣٩.
وحتى مع بدايات الحرب، كان هناك منطق سائد بأنه يمكن بالدبلوماسية تجاوز هذه الأزمة، مثل مثيلاتها، وتباطأت بريطانيا فى الدخول إلى الحرب، وحدث تقارب فى البداية بين الاتحاد السوفيتى وألمانيا، من أجل مصالحهما فى شرق أوروبا، وتمسكت أمريكا بسياسة العزلة وعدم التورط فى الحرب، ولكن سريعًا ما انزلق الجميع إلى حرب شاملة مدمرة استمرت من عام ١٩٣٩ وحتى عام ١٩٤٥، حرب قلبت الموازين ووضعت أُسس نظام عالمى جديد.
أخشى أن ينزلق العالم من جديد فى حرب كونية ستكون أوجع من سابقتيها.. لا للحرب العالمية الثالثة.