الرؤية المصرية.. أم خراب المنطقة؟
لا ينكر الجهود المصرية الواسعة التى تقوم بها القاهرة من أجل وقف الحرب الإسرائيلية وعودة الهدوء إلى المنطقة إلا كل جاحد وناكر للحق. فالدور المصرى منذ ٧ أكتوبر وحتى الآن واضح للعيان ولا يخفى على أحد، وهناك الكثير من المبادرات التى طرحتها مصر من أجل عودة الهدوء إلى المنطقة. وقد تمثل ذلك فى عدة أمور، أولها عدم تصفية القضية الفلسطينية، وثانيها ضمان نفاذ المساعدات الإنسانية إلى غزة، وثالثها ضرورة استقرار المنطقة وعدم توسيع دائرة الحرب.
ورغم ذلك فإن كل المبادرات المصرية تواجه من الجانب الإسرائيلى بكل تبجح وتعنت شديد، ولا توجد أى إرادة سياسية لدى تل أبيب للحد من هذه الجرائم التى ترتكبها فى المنطقة.
وعندما تتعقد الأمور تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية إلى مصر بصفتها الفاعل الرئيسى فى المنطقة وصاحبة الدور المهم فى هذا الشأن، وجاء آخرها الاتصال الأخير من الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى مساء أمس الأول، الثلاثاء، وتناولا خلاله التطورات الإقليمية، والتوتر الذى تشهده منطقة الشرق الأوسط. واستعرض الرئيسان مستجدات الجهود المشتركة المصرية- الأمريكية- القطرية لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، وأكدا عزمهما الاستمرار فى تلك الجهود لخفض التصعيد واستعادة السلم والأمن الإقليميين.
واتفق الرئيسان على الاستمرار فى العمل المشترك المكثف لوقف إطلاق النار، وفى الجهود لتنفيذ حل الدولتين، باعتباره الضامن الرئيسى للاستقرار والأمن لجميع شعوب المنطقة.
الدور الكبير الذى تلعبه مصر حاليًا يعد حائط الصد المنيع فى منع شرذمة الأمة العربية، ولا أكون مبالغًا فى القول إذا قلت إن هناك ضرورة ملحة حاليًا لاصطفاف الدول العربية مع مصر فيما يحدث بدلًا من الخراب الشديد الذى ينتظر الجميع. وليس من المقبول أو المعقول أن تغرد كل دولة عربية بعيدًا عن الدور المصرى. والمعروف أن هناك بلادًا عربية كثيرة لديها من الوسائل ما يمكن أن تضغط به على الصهيونية - الأمريكية فى ظل هذه الحرب الإسرائيلية البشعة التى طال أمدها، لأن الأمر ليس ببعيد عن الدول العربية، فإسرائيل لا يكفيها فقط القضاء على الفلسطينيين، وإنما تهدف إلى النيل من كل الدول العربية بلا استثناء.
ومصر الحريصة على الأمن القومى العربى تستحق عدم التخلى عنها فى ظل هذه الظروف الراهنة والبالغة الحساسية، لمشاركة القاهرة وحكمتها فى منع انهيار المنطقة، لأن الخراب عندما يحل لا يميز بين دولة أو أخرى.
لقد نجحت مصر بموقفها الرشيد والثابت فى أن تكشف المخططات الصهيونية- الأمريكية، وتمت تعرية الموقف الدولى المتخاذل الذى كشف عن وجهه القبيح أمام الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، إضافة إلى ضرب الشرعية الدولية والمواثيق والأعراف.. أليس كل ذلك كفيلًا بأن نجزم بانهيار كل المبادئ والمواثيق الدولية؟!.. وفى ظل هذا الجو المعكر بغياب الشرعية الإنسانية، جاء دور مصر العظيم وحكمة قيادتها السياسية ووعى شعبها العظيم، ودبلوماسيتها الرشيدة، فتصدت القاهرة لكل هذه المواقف المخزية.
ولذلك فإن الرؤية المصرية القائمة على تفعيل الشرعية الدولية، والاتفاق على حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧، هى الأساس ولا حل سواها وهو موقف ثابت لا يتغير أو يتبدل، وقطعت مصر فى هذا الشأن الكثير والكثير من المفاوضات.
وستظل مصر على موقفها الثابت ولن يتغير وهو المتمثل فى حل الدولتين والجلوس على طاولة المفاوضات لإنقاذ المنطقة من المصير المشئوم، وهذا ما يجب أن تعيه الولايات المتحدة، لأن مصالحها هى الأخرى ينالها التأثير بشكل واضح وظاهر.
كل الذين تغيب عنهم هذه الحقائق يجب أن يفيقوا من غفوتهم، ولن ينال من مصر أحد طالما أن هناك شعبًا واعيًا لديه فطنة سياسية وجيش وطنى يقف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه أن ينال من أمن الوطن والمواطن.. وقد آن الأوان للأمة العربية أن تلتف حول الرؤية المصرية الرشيدة بدلًا من الخراب الذى تنتظره المنطقة.