رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دراسة تكشف الشروط الأربعة للمحكمة العليا الإسرائيلية لمشروعية الاغتيال

المحكمة العليا الإسرائيلية
المحكمة العليا الإسرائيلية

أصبحت منطقة الشرق الأوسط على صفيح ساخن وسط توترات إقليمية بالغة التعقيد، بسبب حرب الإبادة التى تشنها قوات الاحتلال ضد سكان قطاع غزة، زادت من حدته سياسة الاغتيالات التى تنتهجها إسرائيل، باستخدام الأسلحة شديدة الدقة بالتطور التقني واستخدام الذكاء الاصطناعي مما ينذر بحرب إقليمية خطيرة قد تكون مقدمة لحرب عالمية ثالثة، وتقف مصر موقفًا ثابتًا لدعم القضية الفلسطينية، وتنويرًا للعقل العربى.

ولذلك نعرض لدراسة المفكر والمؤرخ القضائى القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة بعنوان: "إسرائيل شرعنت الاغتيالات المسمى بالقتل المستهدف منذ عام 2000 والقضاء الإسرائيلى منحها صك المشروعية عام 2006".

ونعرض للجزء الثانى من دراسة الفقيه المصرى عن الشروط الأربعة للمحكمة العليا الإسرائيلية بمشروعية الاغتيال القتل المستهدف والرد عليها وأسانيد المدعين ودفاع إسرائيل وفشل المحكمة لوصف الصراع العربى الإسرائيلى وتأرجحها بين الظن واليقين.

أسانيد اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل (PCATI) والجمعية الفلسطينية لحماية حقوق الإنسان والبيئة (LAW) ضد الاغتيالات 

يقول الدكتور محمد خفاجى: "توجز أسانيد دعوى المدعين فى القضية من اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل (PCATI) والجمعية الفلسطينية لحماية حقوق الإنسان والبيئة (LAW) فى قضيتهم فى يناير 2002 ضد دولة إسرائيل أن سياسة الاغتيالات التي تنتهجها إسرائيل غير قانونية، وأن الاغتيال غير قانوني وفقًا لمعايير إنفاذ القانون المحلي في الأراضي المحتلة التي تحظر استخدام القوة المميتة ما لم يكن ذلك ضروريًا للحماية من تهديد وشيك بالموت أو إصابة جسدية خطيرة، وأن القوة العسكرية لا يمكن استخدامها إلا في سياق الدفاع عن النفس وفقًا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. وتسمح المادة 51 للدولة بالرد على هجوم من قبل دولة أخرى وبالتالي لا تنطبق على الصراع بين إسرائيل والأفراد من الأراضي المحتلة."

ويضيف "كما تقوم الدعوى القضائية على  أن الاغتيالات المستهدفة تنكر الحق في الإجراءات القانونية الواجبة وتنتهك الحق الأساسي في الحياة المحمي بموجب حقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني الدولي. وقد قيَّدوا هذه الحجة بالزعم أنه حتى في حالة وجود صراع مسلح دولي في سياق الاحتلال الحربي الإسرائيلي، فيجب اعتبار الأهداف مدنيين وبالتالي حمايتهم من الهجوم العسكري وفقًا للمادة 51 (3) من البروتوكول الإضافي الأول  لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي العرفي. "

دفاع إسرائيل لانتهاج سياسة الاغتيالات القتل المستهدف 

 ويذكر “ زعمت إسرائيل أن الدعوى القضائية التي أقيمت ضدها تعد نوعًا جديدًا من الصراع مع المنظمات الإرهابية على حد زعمها !، وهى تواجه منذ سبتمبر 2000 أعمالًا قتالية وإرهابية  وأن الإطار القانوني المطبق هو بالتالي قوانين الصراع المسلح. وبالتالى فإن هذه الهجمات الإرهابية هي هجمات مسلحة  تستطيع إسرائيل أن تدافع عن نفسها ضدها وفقًا لحق الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. كما زعمت إسرائيل  أن قانون الاحتلال ليس ذا صلة بتحديد شرعية القتل المستهدف”.

ملخص حكم المحكمة العليا الإسرائيلية بشرعنة الاغتيالات المسمى بالقتل المستهدف 

ويشير" بتاريخ  14 ديسمبر 2006، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية حكما استغرق التوصل إليه خمس سنوات بجواز شرعنة القتل المستهدف، وأقامت المحكمة قضاءها على  أن مسألة ما إذا كان كل قتل مستهدف محظورًا وفقًا للقانون الدولي العرفي لا يمكن تحديدها مسبقًا، ورفضت الدعوى بركيزة أن سياسة القتل المستهدف يجب أن تتوقف على أساس أنها تنتهك القانون الإسرائيلي والقانون الدولى، ولقد ذهب حكم المحكمة بعيدا ً فلم يضف الشرعية على عمليات القتل المستهدفة فحسب بل تخطى ذلك وقدم وصفًا دقيقًا للظروف التي تكون فيها هذه العمليات مشروعة، فضلًا عن الظروف التي لا تكون فيها كذلك."

ويضيف "كما أقامت قضاءها على أن الهجوم الشامل للإرهاب الذي تم توجيهه ضد دولة إسرائيل منذ اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000  وخلال الانتفاضة الثانية، استخدمت إسرائيل ما أسمته سياسة الإحباط المستهدف للإرهاب من خلال إصدار الأوامر بقتل أعضاء المنظمات الإرهابية – على حد تعبير المحكمة - المتورطين في التخطيط أو إطلاق أو تنفيذ الهجمات الإرهابية ضد إسرائيل، وتم تنفيذ مثل هذه الضربات الوقائية في مختلف أنحاء يهودا والسامرة وقطاع غزة. "

المحكمة العليا الإسرائيلية فشلت في توضيح أي أسباب أخرى لوصف الصراع العربى الإسرائيلى بأنه دولي وتأرجحها بين الظن واليقين 

وينتقد الفقيه المصرى حكم المحكمة العليا الإسرائيلية ويؤكد" أن المحكمة فشلت في توضيح أي أسباب أخرى لوصف الصراع العربى الإسرائيلى بأنه دولى، فالحكم لا يقدم سوى قدر ضئيل من التفسير القانوني لدعم هذا الموقف،والرأى عندى أن المسلحين الفلسطينيين الذين تستهدفهم إسرائيل ليسوا مقاتلين بموجب القانون الإنساني الدولي، ويجب أن يكونوا مدنيين ويجب معاملتهم وفقًا للقواعد التي تحكم المدنيين نزولًا على أحكام القانون الدولى الإنساني، ذلك إن المدنيين أشخاص محميون وبالتالي لا يمكن مهاجمتهم. ومع ذلك أفقدتهم المحكمة هذه الحماية إذا اختاروا المشاركة في القتال لتقييم شرعية القتل المستهدف" 

ويضيف تشريحًا لقضاة أعلى محكمة إسرائيلية بقوله " على أن أشد ما يوجه للمحكمة العليا الإسرائيلية من انتقاد هو ذلك التحليل المتأرجح الذي أجرته المحكمة للقتل المستهدف وفقًا للقواعد العرفية للقانون الدولي فيما يتصل بالصراعات المسلحة الدولية، إذ قالت حرفيًا " لا نستطيع أن نحدد ما إذا كانت الضربة الوقائية قانونية دائمًا، تمامًا كما لا نستطيع أن نحدد ما إذا كانت غير قانونية دائمًا". والرأى عندى هذا التأرجح من أعلى محكمة إسرائيلية فى وصف الضربة الوقائية بين الظن واليقين يتعارض مع طبيعة الحكم القضائى الذى يجب أن يُبنى على القطع واليقين لا الشك أو التخمين ! وبالتالى فشلت المحكمة في تحديد متى تكون هذه السياسة المثيرة للجدال مبررة ومتى لا تكون كذلك وهذا هو جوهر انتقادى المميت للحكم "

الشروط الأربعة التى حددتها المحكمة العليا الإسرائيلية لمشروعية الاغتيال بالقتل المستهدف والرد عليها 

يوضح الدكتور محمد خفاجى  "قررت المحكمة أنه لكي يكون القتل المستهدف قانونيًا، يجب أن يستوفي أربعة شروط هى:

1-يجب أن يكون لدى الدولة أدلة قوية على أن الهدف المحتمل يفي بشروط فقدان وضعه المحمي.

2-إذا كان من الممكن استخدام تدابير أقل صرامة لمنع الهدف المحتمل من تشكيل تهديد أمني، مثل الاعتقال، فيجب على الدولة استخدامها، ما لم يشكل هذا البديل خطرًا كبيرًا على حياة جنودها.

 3- يجب إجراء تحقيق مستقل وشامل فورًا بعد العملية لتحديد ما إذا كانت مبررة. وفي الحالات المناسبة، يجب على الدولة تعويض المدنيين الأبرياء عن الضرر الذي لحق بهم.

 4-  يجب على الدولة أن تقيم مسبقًا ما إذا كانت الأضرار الجانبية المتوقعة للمدنيين الأبرياء المتورطين في القتل المستهدف أكبر من الميزة العسكرية المتوقعة التي ستكتسبها العملية"

شروط المحكمة العليا الإسرائيلية تحيد عن العدالة الإنسانية 

يذكر الدكتور محمد خفاجى " رغم ما قررته المحكمة أنه قبل أن يتسنى تنفيذ عملية قتل مستهدف، لابد من وجود أدلة مؤكدة وموثوقة تبرر حرمان الهدف المحتمل من الحماية المدنية، عن طريق جمع المعلومات الاستخبارية في عملية القتل المستهدف، ودراسة الهدف المحتمل بعناية. على أن جمع معلومات كافية للاستخبارات الإسرائيلية يجعل الجلاد الذى يحكم على تطبيق هذا الشرط الغامض الفضفاض، كما أنه بالنسبة للتدابير الأقل صرامة فى الشرط الثاني المنصوص عليه في الحكم هو أنه إذا كان من الممكن استخدام تدابير أقل صرامة لمنع هدف محتمل يشكل تهديدًا أمنيًا - على سبيل المثال، الاعتقال، الاستجواب، المحاكمة، فإن الدولة ملزمة باستخدامها، ما لم يكن الخطر الذي تشكله على حياة الجنود كبيرًا للغاية ،ومع ذلك تغافلت المحكمة عن نقطة جوهرية أقولها فى مقتل أنه لا يوجد شرط محدد بموجب القانون الإنساني الدولي لاعتقال شخص يشكل هدفًا عسكريًا مشروعًا. وفضلا ًعن ذلك فإن النقد الجوهرى هو أن القتل المستهدف يحرم الأفراد من الحق في محاكمة عادلة والإجراءات القانونية الواجبة."

ويختتم "وأخيرًا زعمت إسرائيل أن عمليات القتل المستهدفة لا تحدث إلا عندما يثبت استحالة اعتقال الهدف، وفشلت المحكمة في توضيح خيارات الاعتقال. وهذا يجعل القيد الذي فرضته على شرط الاعتقال عرضة للإساءة من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي، الذي يمكنه دائمًا التظاهر بالتفكير بجدية في الاعتقال. ولم تناقش المحكمة إطلاقًا تفاصيل الملاحقة القضائية أو الجرائم التي سيُتهم بها المتهمون إذا اعتقلت الدولة المشتبه بهم، فهل تعتبر الأفعال التي يُشتبه في ارتكابهم لها أعمال حرب، أم مجرد جرائم يكون الأفراد مسئولين عنها ويخضعون للملاحقة الجنائية سواء بموجب الولاية القضائية المحلية أو الدولية ؟ .