بين تجارة السكر والمخدرات
أهل المحروسة لا يصدقون الحكومة، رغم نشرها معلومات وبيانات بالصوت والصورة، مما لا يقبل الشك، رغم أنها قد تكون صادقة فى توجه ما، وفى حقيقة الأمر هو مرض عضال موروث عبر حكومات سابقة أقنعت الناس بروعة مذاق لبن العصفور، وكيف تفقس البيضة فيخرج منها حمار كتكوتى مخطط لا ينهق ولا يصوصو، فحينما تتحدث الحكومة عن دعم نقدى تداخله بحبوحة مرتقبة يتحسس المواطن جيوبه، ويقابل الاقتراح بالرفض القاطع المانع أى خير، عملًا بالمثل عصفور فى أيادى مافيا الدعم تتساقط منه ريشة خير من عشرة عصافير حكومية على شجرة تحركها رياح صندوق ولاد النكدية.
الحكومة دائمًا تكذب ولا تتجمل، يكفى أنها عينت وزيرًا هو الأطول بين وزرائها فى الحكومة السابقة، واسمه على غير الحقيقة السيد القصير.
والحق أقول إن الدعم العينى المنهوب يحتاج لتعديل يمزج بين العينى والنقدى، وقد ذكرت فى مقال سابق كلامًا مدققًا حول أساليب النهب المنظم للغلابة، وقلت لو منحت الحكومة المواطن فرخة قد يصله منها قليل من ريش وأحشاء قد تصلح لحشو الممبار.
يكفى أن أذكر لك بأن اجتزاء مائة جرام من كيلو السكر التموينى من ٧٠ مليون كيلو يحصل عليها مستحقو الدعم شهريًا، يهدر ٢٥٠ مليون جنيه سنويًا تدخل جيوب ولاد الترلملم، ويحرم منها الغلابة بالتأكيد، وقد اتصل علمى، ومن واقع بيانات شركات السكر، عن ستة من تجار السكر الكبار حصلوا خلال أسبوع واحد إبان أزمة السكر قبل أشهر على ٤٠ ألف طن، أى ما يعادل ٤٠ مليون كيلو سكر، وقد بلغ سعر الكيلو إبان الأزمة ستين جنيهًا، ولو افترضنا تهامش الستة الكبار بعشرة جنيهات فقط، فإن أرباحهم أسبوعيًا قد تزيد على ٤٠٠ مليون جنيه عدًا ونقدًا- تعجز المافيات العالمية عن تحقيقه، ما يجعلنى أوجه نصيحة مخلصة لتجار المخدرات بأن يستثمروا فى تجارة السكر، أحد أخطر الأبيضات الثلاثة الملح والسكر والكوكايين.
السكر تجارته تحقق أرباحًا خزعبلية، والمخدرات تحقق أرباحًا طفيفة لا تكافئ حجم المخاطرة بالسجن وربما الإعدام، بينما المخاطرة فى تجارة السكر معدومة تخفف من حدتها فوائض أرباح تنفق على القضايا، ومحامون ينفذون الجمل من سن الخياط، وقوانين غربالية واسعة العيون مليئة بثغرات عجيبة.
أعرف مدرس كيمياء دخله اليومى يتجاوز العشرة آلاف جنيه من التدريس فى السناتر، ويحصل جنابه على دعم تموينى هو وأسرته، بينما يحرم عم طلعت، الله يرحمه، من دعم يحتاجه واقعيًا، لأن كمبيوتر التموين الأحول رصد ملكية الرجل سيارة فيات نصر قديمة موديل الستينيات، نفس السيارة تحتاج لدعم فنى وميكانيكى يوميًا، وهى سيارة تسير للخلف بأكثر مما تسير للأمام، فراملها تعمل بالصدفة، وبنظام «المكارجة» ليس لها كونتاكت وتعمل بنظام «إدى زوبة زقة»، ومن بين إمكاناتها ذلك الدركسيون الحديد المنحول وبره وجلده وأربع عجلات ممسوحة، ولا يملك الرجل ما يمكنه من صيانة السيارة، ولم يكن له دخل ثابت، ولا حتى معاش تكافل وكرامة.
حينما يحرم عم طلعت من الدعم، ويغوص إمبراطور الكيمياء فى بحبوحته، لا بد أن نبحث فى برنامج إلكترونى يعالج هذا الحول؛ حتى تكون لدينا عدالة فى توزيعه بما يضمن وصوله لمستحقيه، حينما طالبت بالدعم العينى لم أكن مغيبًا عن واقع أليم يشهد يوميًا عمليات نهب منظم للغلابة بغطاء حكومى.
آمل أن يتم الدمج بين العينى والنقدى، بنظام البطاقة الممغنطة، ويمكن ضخ المقرر كدعم نقدى على أن يتم الشراء بالبطاقة الممغنطة من أى بقال أو سوبر ماركت حتى نضمن إنفاق المبلغ المقرر فى إطعام الأسرة، ولا تبدد على الكيف كما يتحدث البعض فى معرض الخوف من عقوق الآباء المحتمل، الذى يمنع من مواجهة فساد تراكمى لا يحتمل، وللحديث بقية.