متنمرون ومحرضون على وأد الإناث
لست رياضيًا بما يكفي كي أتابع بدقة أوليمبياد باريس، لكنني أعرف- من باب المعلومات العامة- أنها حدث رياضي عظيم، ولا يصل إليها رياضي بسهولة، لذلك أقرأ عن مشاركات البعثة المصرية وأفرح كلما خاض رياضي منهم مباراة، ولا أهتم بالنتائج لأنني أعرف أن صناعة البطل الأوليمبي هي صناعة دقيقة لم تتوافر مكوناتها في مصر، وأن جهود أبطالنا المشاركين في البعثة هي جهود فردية اعتمد فيها اللاعب على نفسه ولم ينتظر تجهيزات فنية مؤسسية من أي جهة مسئولة عن ذلك.
هذا بشكل عام، لذلك توقفت طويلًا أمام عدة مشاهد يمكن وصفها بـ"المجنونة"، تركزت تلك المشاهد في ردات الفعل الصاخبة ضد بعض المشاركات المصريات في البطولة، وكأنه تنمر متعمد ضد المرأة والفتاة المصرية، تجلى ذلك في ثلاثة مشاهد متوالية صال وجال الإعلام والرأي العام فيها، حتى بدت الصورة الذهنية ضد هؤلاء اللاعبات غامقة ولا تليق بالتقدير الواجب للفتاة والمرأة المصرية، اللتين لهما من القدسية والاحترام ما يفرض على عقلاء هذا الوطن التدخل لضبط هذا الجنون الذي نخسر بسببه احترامنا لذاتنا، وتخسر الفتاة والمرأة المصرية الرياضية الحماية والدعم اللازم لهما.
نبدأ من عند قصة متسابقة الدراجات، ولن أذكر أسماء، لكنني أشير إلى أن المعالجة التي تمت كانت قاسية ضد اللاعبة التي اتهمتها زميلتها بتعمد إسقاطها في السباق، في تفاصيل هذا الموضوع كانت تحقيقات وتقارير وحقوق، كل هذا جميل، ولكن أن ينتهي الأمر بتدمير اللاعبة التي أخطأت وعدم التسامح ضدها للدرجة التي قالت في حوار تليفزيوني كان أقرب لتحقيق قسم بوليس وليس حوارًا إعلاميًا إنها لن تمارس رياضة الدراجات مرة ثانية.
الفتاة خسرت طموحها ومصر خسرت لاعبة ونحن خسرنا حيادنا بقسوتنا المبالغ فيها، الأخطاء يمكن تصحيحها والتوفيق والمصالحة بين اللاعبتين كان واجبًا، لكننا نحب الهدم أكثر من محبتنا البناء.
الواقعة الثانية هي قصة لاعبة الملاكمة التي زاد وزنها عشية يوم المباراة، لا يمكن لعاقل أن يصدق أن لاعبة وصلت إلى البطولة الأوليمبية تهزم نفسها بنفسها، هناك علم قادر على تفسير ما حدث وعلينا احترام النتائج العلمية، أما أن يخرج علينا رئيس الاتحاد، في بيان، يكشف فيه ستر اللاعبة، لتصبح لبانة في أفواه المتنطعين على المقاهي فهذه جريمة وتنمر وتعطيل لمشروع بطلة الملاكمة، التي لابد وأن ننتظرها في بطولات مقبلة.
الصورة الثالثة ولابد أن أذكر اسمها كي أقدم لها التهنئة الواجبة هي بطلة سلاح السيف ندى حافظ، التي خاضت البطولة وهي حامل في شهرها السابع، وأقول للذهنية الشعبوية الفاسدة، لو كانت البطلة ندى حافظ تحمل الجنسية الأمريكية أو جنسية أوروبية، كنا شهدنا من تلك الذهنية قصائد المديح لها، لأن اللاعبة تنافس وهي في ظروف غير ملائمة، ولكن لأن ابنتنا ندى مصرية رأينا سخافات وتطاولًا وتنمرًا، وبالرغم من ذلك أحسنت ندى صنعًا بتغريدتها المبهرة، التي قالت فيها: "إلى بلدي العزيز عندما تحدثت عن حملي، فعلت ذلك حتى أسلط الضوء على قوة وقدرة السيدة المصرية على التحدي، والدليل نجاحي في الفوز على بطلة أمريكا المصنفة السابعة عالميًا، ولست السيدة الوحيدة التي تلعب وهي حامل فالعديد من بطلات الدول الأخرى يلعبن أيضا وهن حوامل طالما لا يوجد ما يمنع طبيًا، وأنا طبيبة وأعلم ذلك جيدًا. سعيدة بنيل شرف تمثيل بلدي في الأوليمبياد".
هنا نقول للمتنمرين الأوغاد إن الفتاة المصرية تاج على رءوسنا وإن مجهودات المرأة المصرية فخر وشرف، ولو كنت صاحب قرار في هذا البلد لكنت رتبت احتفالًا لتكريم كل الفتيات المشاركات في تلك البطولة، لأنه بمجرد المشاركة حصل اللاعب أو اللاعبة على تصنيف وترتيب عالمي، نكرر أن اللاعب أو اللاعبة لم يسافر أي منهما إلى باريس بالصدفة، لكنه سافر بناء على أرقامه وبطولاته وتصفياته ومشواره الذي سار فيه بالعرق والجهد والتدريب.
ارفعوا أيديكم عن فتيات مصر وبالقليل من العقل نحصد ذهبية الاحترام للمستقبل.