رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قدر مصر وفطنة المفاوض

 هذا هو قدر مصر أن تتحمل المصاعب والمتاعب من أجل الأشقاء العرب، ففى الوقت الذى تبذل فيه القاهرة الجهود المضنية الواسعة وتقود المفاوضات الكثيرة من أجل وقف الحرب الإسرائيلية، نجد أن المفاوض المصرى يلعب دورًا أيضًا مهمًا فى كل من السودان وليبيا من أجل عودة الاستقرار الكامل إلى هذه البلاد العربية التى تعانى الفوضى وعدم الاستقرار والتناحر وإسالة الدماء، وما شابه ذلك من مناخ الحياة غير الطبيعية.

الحقيقة أن مصر تؤدى دورًا فاعلًا ومهمًا فى وقف الحرب بين الأشقاء السودانيين. وقد صدق توم بيرليو، المبعوث الأمريكى فى السودان، عندما ثمّن الجهود المصرية الرامية إلى وقف الحرب السودانية، وأهمية وضرورة عودة الاستقرار داخل السودان. والمعروف أن هذه الفوضى تعود آثارها بالتبعية على مصر. وكلنا يعلم أن مصر والسودان بلد واحد من خلال علاقات متجذرة، ويجمعهما النيل العظيم وعلاقات صهر ونسب، وإذا وقع أذى للشقيقة السودان فإن هذا الأذى يعود أثره بالتبعية إلى الأرض المصرية، وهذا حادث بالفعل. ومن هذا المنطلق ما زالت مصر تخوض مفاوضات كثيرة وتستضيف الفرقاء والجلوس معهم والاستماع إليهم وحثهم على وقف الحرب، خاصة بعد دخول السودان فى نفق مظلم لا يعلم مداه إلا الله، سبحانه وتعالى، والضحية فى هذا الشأن هم الأشقاء السودانيون.

كما أن مصر تدفع فاتورة هذه الفوضى فى أمور كثيرة، يأتى على رأسها نزوح السودانيين إلى الأراضى المصرية بعد فتح الأبواب للأشقاء، وازدادت الأعداد بشكل كبير جدًا. وهنا لا بد من وقفة مهمة فى هذا الإطار، وهى أنه لا يمكن أبدًا بأى حال من الأحوال أن تتخلى مصر عن دورها بصفتها الأم، وبصفات الجوار والتاريخ والنسب وخلافه بين البلدين. ولذلك أستغرب شديد الغرابة من تصرفات البعض ممن يصطادون فى الماء العكر الذين يلومون على الدولة المصرية استقبال الأشقاء السودانيين. صحيح أن هؤلاء المتنطعين قلة لكن هذا هو الواجب الحتمى على مصر، فلا يمكن بأى حال من الأحوال أن تتخلى عن دورها الريادى وعن فتح الأبواب أمام الفارين من أتون القتال داخل السودان.

تصريح المبعوث الأمريكى يؤكد مدى المعاناة الشديدة التى تتعرض لها مصر بسبب الفوضى وعدم الاستقرار والحرب الدائرة داخل الأراضى السودانية.. هذا التصريح غير مجدٍ، فنحن لسنا فى حاجة إلى من يثمّن دور مصر تجاه واجب وطنى، ولسنا فى حاجة إلى من يتعطف علينا بتصريحات صحفية فى هذا المقام، لأن مصر بالدرجة الأولى تؤدى دورها المنوط بها كما عهدت على نفسها فى كل الأزمات والأزمان.

ولم تكتفِ القاهرة فى محاولات رأب الصدع بالسودان فقط، وإنما أيضًا فى ليبيا، وهى تعد هذه المسألة فى غاية الأهمية، فالدور المصرى مهم فى هذا الشأن من خلال أيضًا استقبال الفرقاء الليبيين وتقديم المساندة والدعم الكامل على مدار السنوات الماضية من أجل عودة الهدوء إلى الأراضى الليبية. كل هذه الأمور باتت تشكل عبئًا كبيرًا على القاهرة فى أمور كثيرة. صحيح كما قلت إن هذا واجب مصر تجاه أشقائها العرب، وهذا هو قدرها بصفتها الأم لكل الدول العربية، لكن على الجانب الآخر لا بد أن تعى الأمة العربية كل ما يُحاك ويُدبّر لها من مخططات ومؤامرات.. وهذا ما يجعل القاهرة دائمة الحرص من خلال تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى على أمرين بالغى الأهمية، الأول هو ضرورة ووحدة وسلامة كل أرض عربية، سواء فى سوريا أو فى السودان أو فى ليبيا، والثانى هو ضرورة التمتع بالفطنة والكياسة لمنع المغرضين وأصحاب المخططات من التمادى فى جرائمهم داخل الأراضى العربية. فوحدة وسلامة هذه الأراضى ضرورة بعيدًا عن التقسيم فى ظل هذه الظروف الراهنة التى تمر بها المنطقة حاليًا.

كما أن مصر حريصة جدًا على حماية الأمن القومى، سواء المصرى أو العربى.. لذلك نحمد الله على نعمة الأمن والأمان والاستقرار التى نحياها فى مصر، وهذه نعمة لا تعادلها أى نعم أخرى.