محمود دوير يكتب: "سميحة أيوب" تضيء المسرح المصري
في ظل بهاء وعراقة دار الأوبرا المصرية تجمع عشاق المسرح في سهرة محبة وتقدير لأيقونة المسرح العربي العاصر وسيدته الأولى "سميحة أيوب" الفنانة المتوجهة بالألق والإبداع وصاحبة المسيرة الحافلة في صياغة مسرح مصري جاد وممتع وساهمت في صناعة صورة المسرح المضيئة لدى أجيال متعاقبة.
خيرا فعلت اللجنة العليا لمهرجان المسرح المصري في دورته السابعة عشر برئاسة الفنان محمد رياض حينما اختارت "سميحة أيوب" لتضيء وتزين دورة المهرجان.
هذا المهرجان الذى يسعى أن يعيد المسرح إلى الواجهة بعد عقود من الغياب وربما التغييب بفعل عوامل كثيرة - سوف يأتي الوقت لمناقشتها ــ فمن القاهرة انطلق المسرح العربي يحمل إلى عواصمنا العربية من المحيط إلى الخليج رسالة الوعى والتنوير والإمتاع.
وعلى مسرح الأوبرا المصرية تجمع المئات من عشاق أبو الفنون ليضيئوا شموع الولاء للمسرح ويؤكدون أهميته وكأنها رسالة مستمرة بأن في مصر دائما نبت جديد لا يتوقف..نبت الإبداع الذى علم العالم منذ آلاف السنين وأن أرضها لن تتوقف عن العطاء.
وجاء اختيار لجنة المهرجان لتكريم عدد من رموز المسرح المصري من بينهم الفنان أسامة عباس الذى منعته ظروف صحية عن الحضور وتم تكريم الفنان أحمد بدير والفنان القدير حسن العدل والذى يمثل نموذج رائع للفنان المصري المثقف صاحب السيرة الصعبة والكفاح الدائم على مسارح الدولة.
كما تم تكريم الفنان القدير عزت زين والذى تلقى مبدعو المسرح تكريمه بسعادة بالغة وترحيب شديد كما شهد حفل الافتتاح تكريم الفنان أحمد الإبيارى بما يمثله من تاريخ عظيم ومضيء في مسيرة المسرح المصري وقد أهدى التكريم لروح القدير الراحل أبو السعود الإبيارى أحد أساطين المسرح المصري منذ بدايات القرن العشرين.
كما تم تكريم مصمم الاستعراضات الشهير دكتور عاطف عوض وتكريم الفنان عبد سعد الذى قضى حياته الفنية مخلصا للمسرح كأنه راهب في محرابه.
وجاء تكريم الفنانة سلوى محمد على المبدعة الدقيقة – على وصف الفنان أحمد كمال – ليخلق عاصفة محبة وجاءت كلمتها بمثابة شهادة مذهلة وشجية للمسرح المستقل التي تمثل هي واحدة من رموزه واستعرضت "سلوى" تاريخ المسرح المستقل منذ تسعينيات القرن الماضي تلك التجارب التي لم يتم توثيقها بالقدر الكافي وقد نجحت سلوى في رصد أهم تجاربه وأبرز رموزه وصناعه.
ورغم أن اختيار أحمد آدم قد أثار جدلا بين صناع المسرح واعتبر البعض أن رصيد "آدم " المسرحي لا يؤهله للتكريم في دورة تحمل اسم العظيمة سميحة أيوب.
ومن المهم الإشادة بالفيلم القصير عن الفنانة سميحة للمخرج أشرف فايق والكاتب نادر صلاح الدين فقد جاء الفيلم معبرا عن عظمة سيدة المسرح ومليئ بالرسائل الذكية التي أضافت إلى حفل الافتتاح قدر كبير بينما جاء الاستعراض الذى بدأ فعاليات الحفل أقل من قيمة وحجم الحدث الكبير.
لماذا نسعد بسميحة أيوب ونفخر بتكريمها؟ هذا السؤال الرئيس الذي يطل علينا ويزداد حضوره ونحن نتابع فعاليات مهرجان المسرح المصري. الإجابة قطعا رغم سهولتها لكنها مركبة. فسيدة المسرح العربي نموذج جلى لقوتنا الناعمة والذى كان وسيظل المسرح أحد مكوناتها الأساسية.
سميحة أيوب صاحبة رصيد عظيم في المسرح المصري منذ أن قدمت الأيدي الناعمة عام 1954 حتى يا إحنا يا هي عام 2009 مرورا بأعمال مثل كسبنا البريمو وكوبري الناموس، سكة السلامة ومصرع كليوباترا وست الملك والخديوي والناس اللي في التالت وغيرها الكثير من عيون المسرح المصري.
فالاحتفاء بسيدة المسرح بها هو احتفاء بقدرة هذا الوطن على الإبداع والريادة وكل ما يحتاجه لاستمرار تقديم المزيد هو مناخ داعم وعوامل مساعدة ربما من أهمها عودة المسرح المدرسي إلى سالف عهده ودعم التجارب المسرحية المستقلة فهى قادرة على صناعة تطور حتمي فى عالم متغير.
وكذلك ضرورة العمل على الحفاظ على مسارحنا التي تتآكل بفعل الزحف المتوحش عليها وتحول عدد كبير منها إلى "مولات" وقاعات أفراح.
المسرح هو أحد أهم اسلحتنا في مواجهة القبح والأفكار الظلامية إلى جانب باقي الفنون مثل السينما والدراما التلفزيونية والموسيقى وغيرهم من أدواتنا الثقافية والفنية التي نتميز بها وعلينا أن نستعيد نفوذها وقوة تأثيرها.
تحية إلى مهرجان المسرح المصري في دورته ال 17 الذى منحنا فرصة عظيمة للاحتفاء بفنانة عظيمة صاحبة تاريخ وتجربة مسرحية رائدة.