رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما يجمع العرب

هناك مقولة شائعة تقول: اتفق العرب على ألا يتفقوا! وللأسف الشديد تدرك المراكز البحثية الغربية ودوائر صنع القرار هناك صحة هذه المقولة، ولا أُبالغ إذا قلت إنها تلعب عليها، وتوظفها جيدًا لصالحها.

وفى ظنى، بل وفى اعتقادى، أن هذه المقولة صحيحة، لكنها تنطبق أساسًا على المجال السياسى؛ فعبر التاريخ العربى الطويل، وربما منذ العصر الجاهلى وحتى الآن، نادرة هى لحظات التوافق السياسى بين القبائل العربية قديمًا، والدول العربية حديثًا.

لكن الأمر الجدير بالملاحظة أنه على الرغم من حالة التشرذم والقبائلية السياسية العربية، إلا أنه تاريخيًا هناك ما يجمع العرب، وهنا أتحدث عن الثقافة والفن. وأشير إلى المقولة القديمة الشائعة: «الشعر ديوان العرب»، عندما كان الشعر هو التاريخ الحقيقى للعرب، وكان أيضًا هو «لسان العرب». وفى التاريخ الحديث أصبحت الثقافة من أهم عوامل «المشترك» بين العرب فى المشرق والمغرب. وكثيرًا ما قرأت فى مذكرات كبار المثقفين العرب، على اختلاف مشاربهم الفكرية، كيف كانوا ينتظرون بشغف كبير وصول أعداد مجلتى «الرسالة» و«الثقافة» إلى بلادهم أثناء سنوات الأربعينيات من القرن الماضى. هل أحدثكم عن مجلة «الهلال» وصداها الثقافى فى العالم العربى؟ أتذكر أنا شخصيًا سنوات شبابى وأنا أنتظر بلهفة وصول أعداد مجلة «العربى» الكويتية فى سنوات مجدها الذهبى عندما كان يرأس تحريرها «أحمد بهاء الدين»، وكذلك مجلة «الدوحة» القطرية عندما كان يرأس تحريرها «رجاء النقاش».

هل أحدثكم عن الفن، وكيف أسهمت السينما والدراما التليفزيونية المصرية فى خلق لهجة عربية موحدة بين كل أبناء البلاد العربية من مشرقها إلى مغربها؟ هل نتذكر أم كلثوم، وكيف جمعت العرب فى الخميس الأول من كل شهر حول جهاز الراديو، ليعيشوا جميعًا حالة وجدانية واحدة؟

تداعت كل هذه الذكريات إلى ذهنى أثناء مشاركتى فى فعاليات مهرجان جرش فى الأردن، أحد أهم المهرجانات العربية، وأثناء مشاركتى فى ندوة تجديد الفكر النهضوى العربى، هذه الندوة التى نظمتها بامتياز الجمعية الفلسفية الأردنية ضمن فعاليات المهرجان، لم يكن هناك سابق معرفة بين معظم المشاركين العرب، ولكن سرعان ما اندمج الجميع، وأصبحوا بحق مجموعة من الأصدقاء. وعلى الرغم من سخونة النقاشات وتباين المواقف الفكرية، إلا أن الجميع أدرك أن هناك ما يجمع بيننا وهو «العروبة الثقافية».

هل أحدثكم عن مشاركة فرق الفنون الشعبية من مختلف بلدان العالم العربى من أجل إنجاح فعاليات مهرجان جرش؟ كانت هناك أيضًا مبادرة فن تشكيلى، شارك فيها فنانون من عدة بلدان عربية، لإقامة معرض فنى يُخصَّص عائده لصالح أطفال غزة.

أتصور أن هناك المشترك الثقافى والفنى العربى، الذى يمكن البناء عليه جماهيريًا، وأن ينعكس صدى ذلك على المجال السياسى والاقتصادى العربى.