لا تزايدوا على الدور المصرى
لا أحد ينكر على الإطلاق الدور المصرى الفاعل لوقف الحرب الإسرائيلية التى اندلعت منذ ٧ أكتوبر الماضى وحتى الآن. فى واقع الأمر إن مصر تلعب دورًا مهمًا وبارزًا فى وقف هذه الحرب، وأثبتت بما لا يدع أدنى مجال للشك أن الإرادة المصرية لا تلين ولا تهدأ من أجل عدم تصفية القضية الفلسطينية ومنع التهجير القسرى للفلسطينيين وضرورة حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
إن الجرائم الإسرائيلية الواسعة التى تتم حاليًا، وتوسيع نطاق الحرب ومحاولة إشعال المنطقة، لم تجر مصر أبدًا إلى ما لا يحمد عقباه، بفضل القيادة السياسية المصرية الرشيدة التى تعى تمامًا كل ما يدور حولنا من مكائد ومخططات. لكن يبقى السؤال المهم وهو: هل الإخوة الفلسطينيون على قلب رجل واحد؟. ألم يأن الأوان بعد لأن تتوحد الفصائل الفلسطينية وتسير طبقًا للرؤية المصرية فى ضرورة توحيد المواقف من أجل الصالح الفلسطينى؟. اللافت للأنظار أن الفصائل الفلسطينية على مدار تاريخها كل يسير على هواه، ويعمل بطريقة مختلفة عن الآخر، وبالتالى كانت النتائج عكسية لا تأتى بأى خير على الإطلاق.
من المهم جدًا فى ظل هذه الظروف الراهنة التى تمر بها الأمة العربية أن تكون الفصائل الفلسطينية على قلب رجل واحد وتتوحد إرادتها بدلًا من هذه الفرقة. والحقيقة أن مصر منذ عشرات السنين وهى تعمل على توحيد الفصائل، وكم استضافت القاهرة العديد من المفاوضات من أجل توحيد الصف الفلسطينى، وحتى هذه اللحظة لا نجد ما يبشر بأى خير حتى كتابة هذه السطور. إن الموقف الفلسطينى المتشرذم يمنح طوق النجاة الحقيقى لإسرائيل. ورغم الإرهاب الذى تمارسه حكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو وكل الجرائم التى ترتكبها هذه الحكومة فى حق الشعب الفلسطينى وعمليات التصفية والاغتيالات، وكان آخرها اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، فإن الأمور تعطى مؤشرًا خطيرًا لإسرائيل لأن تستمر فى إرهابها وفى تصرفاتها الحمقاء.. لكن يبقى السؤال المهم: إلى متى تظل هذه الأمور بهذا الشكل؟ ألم نقل من قبل إنه آن الأوان لأن تتوحد الصفوف الفلسطينية وتكون على كلمة سواء، خاصة فى ظل المباحثات والمفاوضات الواسعة التى يقوم بها المفاوض المصرى من أجل وقف الحرب الإسرائيلية البشعة.
فلا أحد ينكر على الإطلاق الدور المصرى الفاعل فى هذا الأمر فى ظل تعنت إسرائيلى بشع، وفى ظل مكائد شديدة تُحاك ضد الدولة المصرية. ورغم الدور الكبير الذى تقوم به مصر إلا أنه، وحتى كتابة هذه السطور، ما زال الموقف الإسرائيلى المتعنت يصر إصرارًا شديدًا على تصفية القضية الفلسطينية، والقاهرة لا تغير موقفها ولا تتراجع أبدًا عن مبدئها فى ضرورة وقف الحرب ومنع التهجير القسرى وإنفاذ المساعدات إلى الشعب الفلسطينى الذى يتعرض لحرب إبادة حقيقية لم يتعرض لها أى شعب على الإطلاق وعلى مر التاريخ.
الدور المصرى الفاعل مع القضية الفلسطينية لا يستطيع أىٌ من كان أن يزايد عليه، فمنذ إنشاء الوطن القومى لليهود فى فلسطين عام ١٩١٧ من خلال وعد بلفور، ومن قبله من خلال الصهيونية التى استغلتها بريطانيا فى حربها، ومصر لها دور فاعل. وقد ازداد هذا الدور وتنامى خاصة بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وباتت القاهرة تحمل على أكتافها حمل القضية الفلسطينية بشكل لم يسبق له مثيل، ولا توجد دولة، سواء عربية أو خلافها، تعرضت لضغوط شديدة مثل مصر التى تواجه الأمرين بسبب مواقفها الحاسمة والحازمة من أجل عدم تصفية القضية والإصرار على إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
وتحملت مصر تصرفات المزايدين الذين يخططون مع قوى الشر من أجل سقوط البلاد، ولن يحدث هذا على الإطلاق فى ظل قيادة سياسية رشيدة وشعب وطنى يتمتع بالفطنة والكياسة وقادر على تفويت الفرص على كل هؤلاء المتآمرين الذين لا يبغون سوى أمر واحد هو «قلب الخرشوفة»، كما قال المشير طنطاوى، رحمه الله، من قبل. فمصر هى «قلب الخرشوفة» فى أعين كل أعداء الأمة العربية، وعلى رأسهم الصهيونية الأمريكية.