بعد بايدن.. أمريكا تنتخب إما الماضى أو المستقبل
ستتأرجح الانتخابات الرئاسية الأمريكية خلال الأشهر القليلة المقبلة، حيث سيجد الناخبون الأمريكيون أنهم فى موقف اختيار بين أحد أمرين هما: إما الماضى أو المستقبل، حيث تغيرت الأوضاع بعد قرار تنحى جو بايدن الرئيس الأمريكى الحالى عن ترشيح نفسه فى انتخابات الرئاسة الأمريكية.. ويجىء قرار بايدن بالتنحى رغمًا عنه قبل ٤ أشهر فقط من موعد الانتخابات الرئاسية التى يحل موعدها فى ٥ نوفمبر المقبل.. وأصبح الآن لدينا سؤالان مهمان:
أولهما: أننا فى مصر قد أصبح لدينا تساؤل أساسى عن شكل العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد بايدن.. خاصة أن أبرز مرشحين الآن وحتى كتابة هذه السطور للقارئ يختلف كلاهما عن الآخر كثيرًا من حيث الانتماء للحزب الجمهورى أو الحزب الديمقراطى، وهناك اختلاف فى الخلفية السياسية والعملية والتجربة واختلاف فى الجذور وأيضًا فى كل منهما.. كما أن أحدهما رجل وهو دونالد ترامب أما الأخرى فهى امرأة.. وهى كامالا هاريس.. ومن المرجح فى تقديرى أنه سيكون ثمة اختلاف فى الموقف الأمريكى من حرب غزة، ومن المؤكد أنه سيحدث تغيير ما فى تعزيز العلاقات الأمريكية مع مصر بالنسبة لكلتيهما.. وحتى إن ظلت القوى السياسية الصهيونية قوية والضغوط الإسرائيلية على القادم أو القادمة قوية إلا أن الانحياز التام واللا محدود بين بايدن ونتنياهو سيتضاءل باختفاء بايدن عن المشهد السياسى بعد إعلان نتيجة الانتخابات، وستظهر الأيام المقبلة هذا التغير المتوقع من خلال تصريحات ترامب أو كامالا.
وأما التساؤل الثانى العاجل والآنى الذى يطرح نفسه وهو: من الذى سيكون رئيس الولايات المتحدة المقبل؟ إذ أدى تنحى بايدن إلى تغيير سريع وكبير حدث فور إعلان تنحيه.. فبعد أن كان بايدن مرشحًا أمام دونالد ترامب الذى عاد ليرشح نفسه ليكون رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى، والذى تفوق على بايدن بعد مناظرتهما معًا والتى شاهدها الملايين فى العالم وفشل بايدن الذريع فيها على الهواء مباشرة، إذا بنائبة بايدن كامالا هاريس تتقدم لترشيح نفسها لتصبح فى حال فوزها أول رئيسة للولايات المتحدة الأمريكية.. وعلى الفور، أعلن بايدن عن دعمه لها فور إعلانها ترشحها.. وبدأت على الفور كامالا اتصالات ولقاءات مع الأسماء ذات الثقل والتأثير فى الحزب الديمقراطى لتحظى بدعمهم لها، وهكذا أصبحت المعادلة الراهنة تتأرجح الآن بين الماضى متمثلًا فى دونالد ترامب الذى يلقى تعاطفًا من الناخبين بعد محاولة اغتياله، وإعلان الحزب الجمهورى ترشيحه دونالد ترامب «٧٧ عامًا» رسميًا لمنصب الرئيس لخوض الانتخابات الرئاسية، وذلك بعد ساعات قليلة من محاولة اغتياله، كما تعالت الإدانات للعنف السياسى داخل أمريكا وخارجها، وذلك رغم القضايا المرفوعة ضده فى المحاكم الأمريكية مما يعد أمرًا غير مسبوق فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.. وأكد أنه سيحدث تغيير كبير فى القضايا الأساسية التى تشغل الرأى العام الأمريكى فى الداخل، كما أنه من المتوقع حدوث تغيير كبير فى السياسة الخارجية أيضًا، واستطاع أن يجمع مبلغًا كبيرًا من التبرعات التى ستدعم حملته الانتخابية، أما عن الاتهامات الموجهة إليه والقضايا المرفوعة ضده فقال إنها اضطهاد سياسى له.
أما المستقبل فإنه يتمثل فى كامالا هاريس التى ستصبح أول رئيسة للولايات المتحدة الأمريكية والتى تؤكد أنها لن تكون تكرارًا لأحد أو استمرارًا لأحد، فقد أعلنت عن أن شعارها يأتى من والدتها وهو «قد تكون الأول، ولكن تأكد أنك لست الأخير..»، وهى أول امرأة أمريكية من أصل إفريقى، وأول نائبة رئيس أمريكية آسيوية فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وأول امرأة سمراء تنتخب مدعية عامة فى تاريخ كاليفورنيا، وأول امرأة تتولى منصب المدعى العام فى كاليفورنيا، وأول سيناتور أمريكى من أصل هندى.
والآن هى أول امرأة سمراء أمريكية ذات أصول آسيوية قد تتولى رئاسة أمريكا، واختارت والدتها اسم كامالا إشارة إلى جذورها الهندية، وقالت والدتها سنة ٢٠٠٤ لصحيفة لوس أنجلوس تايمز، إن الثقافة التى تعبد الآلهة تنتج نساء قويات، وكانت كامالا إلى جانب مناصبها المهمة قد تزوجت من دوج إيمهوف محامى الشركات فى لوس أنجلوس فى سنة ٢٠١٤، وهى تبلغ من العمر ٥٩ عامًا.. وبالنسبة للموقف من نتنياهو فقد ذكرت صحيفة وول ستريت أنه من المتوقع ألا تكون كامالا بنفس تأييد بايدن وانحيازه لنتنياهو فى حرب غزة، ومن المتوقع أيضًا فى تقديرى أن يبذل الجمهوريون جهودًا حثيثة للتأكيد أن كامالا هاريس لم تخضع للاختبار وتحمل مخاطر كبيرة تجعلها غير قادرة على أن تصبح رئيسة للبلاد.. والتأكيد من ناحية أخرى على أن ترامب هو الرئيس الوحيد المضمون فى الوقت الراهن.
وفى تقديرى أنه سيكون على كامالا أن تظهر قدرتها على المنافسة أمام ترامب.. ومن النقاط الإيجابية بالنسبة لها أنها قد استطاعت أن تجمع فى يوم واحد ٨٠ مليون دولار تبرعات لحملتها الانتخابية، وسيكون عليها ترك انطباع جديد وتأثير لدى الجمهور الأمريكى بكفاءتها وبآرائها فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والسياسية المهمة، إلا أنه من ناحية أخرى فمن الواضح أنه سيكون هناك صراع طويل على السلطة يمتد إلى المؤتمر الوطنى للديمقراطيين فى أواخر أغسطس، كما أظهرت الأسابيع الماضية أنه يمكن أن تتغير الأمور بسرعة فى سباق الانتخابات الأمريكية.
وقبل تنحيه كان بايدن مصرًا على خوض الانتخابات إلا أن المتابع للأحوال على الساحة الأمريكية فى الشهور الماضية الأخيرة سيلاحظ عدة زلات ونسيانًا للأسماء، كذلك تكرر سقوط بايدن وتدهور حالته الذهنية وحالته الصحية السيئة، إلا أنه رغم ذلك كان متعلقًا بالترشح إلى حد أنه لولا الضغوط الكبيرة من الحزب الديمقراطى عليه لما تنحى، وفى رأيى أن ترامب كان سيفوز فوزًا كاسحًا عليه.
وقبل أن يتنحى كانت استطلاعات الرأى الخاصة بالحملة الانتخابية له، وليس فقط استطلاع الرأى العام الأمريكى، تؤكد أنه سيفشل فى الانتخابات أمام ترامب.
ومن المقرر أن يتم تنصيب الفائز فى هذه الانتخابات التى هى الانتخابات الرئاسية الستون للرئيس، وذلك فى ٢٠ يناير ٢٠٢٥، وسوف يتم فى ذات الوقت الذى تجرى فيه انتخابات مجلس الشيوخ الأمريكى ومجلس النواب وحكام الولايات والمجالس التشريعية للولايات، أما أبرز المرشحين بعد ترامب وكامالا فهم جيل ستاين مرشحة حزب الخضر، وروبرت إف كينيدى الابن وهو مرشح مستقل، وكورنيل ويست وهو مرشح مستقل.