تفاصيل أول 4 سيارات.. حكايات من شباب رشدي أباظة
في كتابه "الدنجوان.. أسطورة الأبيض والأسود" يحكي الكاتب الصحفي أحمد السماحي العديد من الحكايات عن فتى العائلة الاباظية رشدي أباظة.
يحكي فيقول:" وجد "رشدي" نفسه ممزقا بعد طلاق والديه وزواج أبيه وزواج امه، ولأنه يعيش وحيدا فقد قرر ممارسة وحدته كاملة، واقترح على والديه أن يلتحق بمدرسة "داخلي" فاستقر رأي الجميع على مدرسة "سان مارك" إحدى أعرق المدارس في الإسكندرية، وهناك واصل رشدي اهتمامه بممارسة الرياضة، فأصبح رئيسًا لفريق الكرة الطائرة، وممثل المدرسة في مسابقات كمال الأجسام، ورغم أنه لم يكن طالبًا متفوقًا إلا أن جسمه الرياضي تحول إلى حديث الطلبة في المدرسة، لكن الحزن لم يغادره، وسكن معه في "عنبر" نوم طلبة القسم الداخلي، فكان يقضي الليالي مستيقظا، يفكر في مصيره ومستقبله وإحساسه المرير بالغربة والوحدة، وفي أيام العطلات الأسبوعية كان يمزقه سؤال كل مرة: أين سيقضي الإجازة، عند أمه في القاهرة، أم في بيت أبيه الذي انتقل إلى دمنهور؟
تمرد الابن
ويضيف:" ظل السؤال رفيقًا لـ "رشدي أباظة" طوال سنوات دراسته الخمس في مدرسة "سان مارك" وحين بلغ التاسعة عشرة من عمره كان السؤال قد فاض وتخطى حدود التحمل، فقرر الفتى ترك الدراسة والالتحاق بأي عمل، كان التمرد والثورة على كل شئ هما عنوان هذه المرحلة في حياته، وزادت حدة الثورة في داخله عندما علم أن والده رزق بطفلة من زوجته الثانية أسماها "رجاء" بينما أنجبت والدته طفلًا آخر اسمته "حامد" غادر رشدي المدرسة مع عهد بعدم العودة، وتوجه مباشرة إلى مدينة بنها في القليوبية، حيث كان والده يعمل وقتها، وبعد أن طبع قبلة على جبين أخته التي أطلقوا عليها "بالونة أباظة" نظرا لبدانتها الواضحة، عرض الفكرة على والده، الذي انتفض ثائرًا ورافضا مجرد مناقشة فكرة ترك الدراسة، خرج رشدي من بيت والده محبطًا ويائسا، وطوال الطريق كان يعتصر ألما، فهو مازال تائها وسط أمواج الحياة المتلاطمة، يمتلك الكثير ولا يمتلك شيئا في آن واحد، لديه عراقة أسرته ونفوذها، وفي ملامحه وسامة نادرة وجسد مفتول، وعلى لسانه عدة لغات أجنبية يتحدثها بطلاقة، لكن ما فائدة كل ذلك وهو عاجز عن إيجاد شخصية مستقلة له، أو حتى الحياة دون شعور الوحدة والغربة والضياع، وعندما وصل إلى بيت والدته في القاهرة كان هذا المزيج المثير والغريب قد أوشك على الانفجار، لكن الأم وافقت على الاقتراح بشرط موافقة الأب، فعاد الابن مرة ثانية وثالثة إلى والده الذي وافق على مضض، حيث جرب حظه أول ما جرب في الميدان الذى اتفق عليه مع أمه، بعد مناقشتهما الطويلة وهو سيارات الأجرة.
4 سيارات
ويواصل:" اشترى رشدي، أو على الأصح أشترت له أمه، أربع سيارات أميركية اثنتان طراز " هدسون"، والأثنتان الآخريان ماركة " ستدي بيكر"، وهى الماركات التى كانت معروفة فى القاهرة، بعد الحرب العالمية الثانية، أي في منتصف الأربعينات، ولأن رشدي يحب إسمه، لذا كان أول ما فعله رشدي، بعد أن أعاد طلاء السيارات باللون الكحلي، وهو اللون الموحد الذى تحدده لوائح المرور لسيارات الأجرة، أن توجه بالسيارات إلى خطاط مختص، قام بكتابة الحرفين الأولين من اسمه " ر.أ" باللغتين الإنجليزية والعربية خلف كل سيارة، وبلون فضي، كان يبرق على الحقيبة الكحلية.
ويستكمل:" بهذا إشتهرت سيارات رشدي الفارهة، وأشتهرت أيضا بقيادة رشدي لواحدة منها بسرعة جنونية، وهو أمر يتكرر كلما ظهرت فى حياته فتاة جديدة، فهو لم يكن يملك سيارة خاصة، لذا كان يسارع إلى حيث تقف سيارته عادة، والسيارات زمان كانت لها مواقف خاصة، فينزل السائق ليحل هو محله، ويجلس حسناءه إلى جواره، ثم يندفع بسرعة جنونية، وقد كسر " العداد".
ويستطرد:" ويسجل العداد مبلغا كبيرا لا يدفعه زبون بالطبع، ولكن أمه الشريكة فى العملية تحاسبه عليه، فيضطر إلى دفعه من جيبه، وأكتشف رشدي أن عملية التاكسيات غير مجزية، فجرب مجال آخر قريب من المجال الأول ربحه مضاعف، هو مجال تجارة قطع غيار السيارات، أو الأكسسوار، فقد شعر خلال تعامله مع التجار لهذا النوع، أنهم كثيرا ما يغالون فى الأثمان، فراح يدرس الأمر بعناية، قرر بعدها أن يحول نشاطه بعد موافقة والدته بالطبع، وباع السيارات الأربع، وبثمنها أسس متجرا لقطع الغيار، وأختار منطقة تجارية متخصصة فى هذا اللون من المتاجر، هى المنطقة الواقعة بين التوفيقية وشارع دوبريه، وأمكنه الحصول على محل مناسب، كدس بداخله البضاعة وراح يبيع للعملاء بنفسه، وحمل المحل لافتة عليها عبارة " متجر رشدي أباظة لقطع غيار السيارات الأصلية".
ويختتم:" ولأن المثل يقول " الغربال الجديد له شدة"، لهذا لم يكن يغادر رشدي مكانه فى البداية خلف " البنك" فى المحل، يناقش السائقين، يفاوض أصحاب الورش فيما يطلبون، ثم مع الأيام سئم اللعبة، أو ربما كره أن يقف أفندي شيك فى محل صغير، ليلبي طلبات مزعجة، ولأن الفتى كان لا يزال يتحسس طريقه، فقد فشل المشروع، وعاد صاحبه إلى العذاب والمعاناة.