أستاذ قانون دولي: استمرار العدوان على غزة يقوض شرعية مجلس الأمن والنظام العالمي
أكد الدكتور محمد محمود مهران، المتخصص في القانون الدولي، عضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، ضرورة تحمل مجلس الأمن الدولي لمسؤولياته في حماية المدنيين، وذلك علي خلفيه انعقاد جلسة المجلس اليوم بشأن الوضع في غزة.
وبين الدكتور مهران، في تصريحات صحفية أن الوضع في غزة يمثل أزمة إنسانية غير مسبوقة تتطلب تحركًا عاجلًا وحاسمًا من مجلس الأمن، موضحا ان الأرقام المروعة التي ذكرها مندوب روسيا عن إلقاء أكثر من 50 ألف قنبلة على القطاع تعكس حجم الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية المدنية، وهو ما يرقى إلى مستوى جرائم الحرب وفقًا للقانون الدولي الإنساني.
كما أشار إلي إن فشل مجلس الأمن حتى الآن في وقف العدوان وحماية المدنيين، وفقا لم أشار اليه مندوب فلسطين السفير رياض منصور، يمثل إخفاقًا خطيرًا في أداء المجلس لمسؤولياته الأساسية المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، محذرا من ان هذا الفشل يقوض مصداقية المجلس والنظام الدولي ككل.
وشدد أستاذ القانون القانون على ضرورة تفعيل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مضيفا: انه في ضوء خطورة الوضع وتهديده للسلم والأمن الدوليين، حسبما أشار المندوب الروسي إلى احتمال اتساع رقعة الصراع، فإن الوقت قد حان لاستخدام الفصل السابع، مؤكدا ان بذلك سيتمكن مجلس الأمن من اتخاذ تدابير إلزامية، بما في ذلك فرض عقوبات وحظر تصدير الأسلحة، لإجبار إسرائيل على الامتثال لقرارات المجلس ووقف العدوان.
ولفت مهران ايضا إلى الشهادات المؤلمة التي نقلها مهند هادي، منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مشيرا الي ان هذه الشهادات تعكس عمق المأساة الإنسانية في غزة، ومبينا أن استخدام التجويع كسلاح حرب، كما أشار مندوب الجزائر، يعد جريمة حرب صريحة بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مشددا على ضرورة تحرك مجلس الأمن فورًا لضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق وفتح جميع المعابر.
وحول الإجراءات العاجلة المطلوبة، أوضح الدكتور مهران انه يجب على مجلس الأمن اتخاذ قرار ملزم تحت الفصل السابع يتضمن النقاط التالية: وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، فتح جميع المعابر وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون قيود، نشر قوات حفظ سلام دولية لحماية المدنيين، بالاضافة الي إحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الحرب المحتملة، فضلا عن فرض حظر على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل حتى امتثالها للقانون الدولي.
وأكد مهران على أهمية المساءلة القانونية، محذرا من مرور هذا العدوان دون محاسبة، مناشدا مجلس الأمن بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة لتوثيق جميع الانتهاكات وتحديد المسؤولين عنها تمهيدًا لمحاكمتهم، كما دعا جميع الدول، وخاصة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، تحمل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية، مؤكدا انه يجب على الولايات المتحدة بشكل خاص مراجعة موقفها ووقف دعمها غير المشروط لإسرائيل، والذي يشجعها على الاستمرار في انتهاكاتها.
وفي سياق حديثه عن البدائل المتاحة في حال فشل مجلس الأمن في اتخاذ إجراءات حاسمة، أكد الدكتور مهران على أهمية تحرك الدول بشكل فردي وجماعي خارج إطار مجلس الأمن، مشيرا الي انه إذا استمر مجلس الأمن في عجزه عن حماية المدنيين في غزة، فإن على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة اتخاذ خطوات فردية وجماعية لممارسة الضغط على إسرائيل.
وتابع: يمكن للدول فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية وتجارية على إسرائيل، بما في ذلك، سحب السفراء وطرد السفراء الإسرائيليين، تعليق الاتفاقيات الامنية والتجارية والاقتصادية مع إسرائيل، وفرض حظر على استيراد البضائع الإسرائيلية، خاصة تلك المنتجة في المستوطنات، وتجميد الأصول المالية للمسؤولين الإسرائيليين المتورطين في جرائم حرب، بالإضافة الي حظر سفر المسؤولين الإسرائيليين إلى أراضيها، وتعليق التعاون العلمي والأكاديمي مع المؤسسات الإسرائيلية.
وأضاف مهران انه يمكن أيضا للدول الأعضاء في الأمم المتحدة التحرك لتعليق عضوية إسرائيل في المنظمة الدولية، وفقًا للمادة 5 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تتيح للجمعية العامة، بناءً على توصية من مجلس الأمن، تعليق عضوية أي دولة تستمر في انتهاك مبادئ الميثاق.
واستكمل: وفي حال استمرار شلل مجلس الأمن، يمكن اللجوء إلى قرار "الاتحاد من أجل السلام" الصادر عن الجمعية العامة عام 1950، والذي يسمح للجمعية العامة باتخاذ إجراءات في حالات تهديد السلم والأمن الدوليين إذا فشل مجلس الأمن في القيام بمسؤولياته.
هذا وشدد الخبير الدولي على أهمية الضغط الشعبي والمدني مناشدا المجتمع المدني العالمي تكثيف حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات والمشاركة بحملة (BDS) على إسرائيل، مؤكدا ان هذه الحملات أثبتت فعاليتها في الضغط على الكثير من الانظمة العنصرية، ويمكنها أن تلعب دورًا مماثلًا في الضغط على إسرائيل للامتثال للقانون الدولي.
وأكد عضو الجمعيتين الأمريكية والاوروبية للقانون الدولي انه لا يمكن تحقيق سلام دائم دون معالجة الأسباب الجذرية للصراع، مشددا علي انه يجب أن تكون هذه الأزمة نقطة تحول لإعادة إطلاق عملية سلام حقيقية على أساس حل الدولتين وفقًا لقرارات الشرعية الدولية.
واستطرد مهران قائلا: حان الوقت لتحمل المجتمع الدولي ككل مسؤولياته في حماية المدنيين الفلسطينيين، كما ان فشل مجلس الأمن لا يعني نهاية الطريق، بل يجب أن يكون حافزًا لتحرك عالمي واسع النطاق لوضع حد لهذه المأساة الإنسانية وإعادة الاعتبار لمبادئ القانون الدولي، مؤكدا علي ان ما يحدث في غزة هو وصمة عار في جبين الإنسانية والمجتمع الدولي.
كما أضاف أن الصمت والتقاعس عن التحرك الفعال في هذه اللحظة التاريخية سيكون له تداعيات وخيمة على النظام الدولي ككل، ومشددا على اهمية ادارك مجلس الأمن أن مصداقيته وشرعيته على المحك، وأن التاريخ لن يرحم من يتخاذل عن حماية الأبرياء في هذه اللحظة الحاسمة، كما بالاضافة الي تاكيده على ضرورة استمرار الضغط الدولي والشعبي على مجلس الأمن للقيام بواجبه في حماية المدنيين وإنهاء هذه المأساة الإنسانية، داعيًا جميع المنظمات الدولية والمجتمع المدني إلى تكثيف جهودها في هذا الاتجاه.