صبحي نايل لـ"الدستور": عبد الرحمن بدوي استدعي الشخصيات الإسلامية المبدعة
تحدث الباحث في الفكر الإسلامي المعاصر، صبحي نايل عن المفكر الكبير عبد الرحمن بدوي والأثر الفكري والإسهام الفلسفي الذي قدمه للفكر المعاصر.
قال نايل، لـ"الدستور" إنه كان من المحظوظين بالسماع عن د.عبد الرحمن بدوي من أساتذتي الذين تتلمذوا على يديه وزاملوه، ومنهم د.فيصل بدير عون والدكتور إمام عبد الفتاح إمام، وكان حديثهم مفعم بالإعجاب والإطراء والتبجيل. عرفت حينها أن ميراث عبد الرحمن بدوي الذي تركه جيل من الأساتذة العظماء أصحاب الانتاج الرصين والغذير، فضلاً عما قدمه من فلسفة أصيلة وكتابات لها صداها إلى اليوم، فلم يكتف بأن يكون دارسًا للفلسفة، بل قدم فلسفته الخاصة في رسالة الدكتوراه التي جاءت بعنوان «الزمان الوجودي» وكانت بإشراف الشيخ مصطفى عبد الرازق، وطه حسين، وباول كراوس، وكانت له فلسفته الخاصة في معظم أعماله.
كتابات عبد الرحم بدوي سعت لصناعة وعي مصري
ولفت نايل إلى أن عبد الرحمن بدوي قدم للمكتبة العربية أكثر من 150 كتابًا في الفلسفة وغيرها من الأمور المعرفية، منها ما كتبه بالعربية وما كتبه بغير العربية، وترجمات عديدة كان لها الفضل في اطلاع الكثير من العرب على الفلسفات الأوروبية.
وأول كتبه كان كتاب نيتشه، هل يمكن قيام أخلاق وجودية، مدخل جديد إلى الفلسفة، فلسفة العصور الوسطى، شخصيات قلقة في الإسلام، روح الحضارة العربية. وترجم العديد من الأصول الفلسفية مثل: أرسطوطاليس: “في السماء والآثار العلوية (الجزء الأول)، الوجود والعدم لسارتر، ورسالة التسامح لجون لوك، وغيرها من الترجمات الفلسفية والأدبية وقدم لنا موسوعة الفلسفة التي لم تُقدم موسوعة موازية لها حتى الآن، ولا على المستوى المؤسسي”.
يقول عبد الرحمن بدوي في لقاء له بعنوان: "هذا هو عبد الرحمن بدوي"، إن هدفه من الترجمة كان صناعة الالتقاء المعرفي بين الفكر العربي المعاصر والفكر الأوروبي، الذي تمت صناعته في الفكر الإسلامي القديم من خلال ترجمة أعمال أرسطو وأفلاطون والفلاسفة اليونان، وذلك لصناعة لحظة ثقافية مهمة تمكن العقل العربي من التحايل على مشكلاته والخروج منها. ولا يقف الأمر عند الترجمة بطبيعة الحال، وهذا ما فعله بدوي حيث أنتج فلسفته الخاصة وعمل على استدعاء الشخصيات الإسلامية المبدعة، ونقد الفكر العربي المعاصر.
تعد هذه إنجازات عبد الرحمن بدوي المعرفية من خلال كتاباته، ولكن له الفضل في نشأة قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة عين شمس، ويعد هذا القسم الآن أحد أهم الأقسام الفلسفية في مصر، وساهم بصناعة جيل كبير من الأساتذة. وبالرغم من أن بدوي تعرض للتأميم في ثورة 23 يوليو وسحبت منه ثروته، إلا أنه لم يتوان لحظة لخدمة بلده وتفانى في تقديم معرفة رصينة تعمل على صناعة واقع أفضل لوطنه. وقدم لنا هذا الإرث المعرفي من كتاباته والأجيال التي انتجها، وكان لها كتابات سعت بكل تأكيد في صناعة وعي مصري، من المؤسف أنها لم توفق، ولكني عاصرت بعضهم وتتلمذت على يديهم ورأيت حسرتهم على وطنهم، ومحاولاتهم لأخر نفس فيهم، ولعل أهمهم أستاذي رحمة الله عليه الدكتور إمام عبد الفتاح إمام.