من قرية الشجرة إلى العالمية: حكاية حياة ناجي العلي (بروفايل)
كان ناجي سليم حسين العلي طفلًا لم يتجاوز التاسعة يوم حلت النكبة الأولي، إذ ولد عام 1937 بقرية صغيرة أسمها الشجرة قرب طبرية، وكانت تلك المنطقة مسرحًا لعدد كبير من العمليات الإرهابية الصهيونية والمجازر التي ارتكبتها عصاباتها لإقتلاع فلاحى القرى العربية من الأرض.
واستطاع ناجي العلي أن يحول الآلم إلى فن بريشته التي لم يمتلك إلا سواها؛ فمجمل أعماله لم يكن لها سوى موضوع واحد هو القضية الفلسطينية، وما يجرى من تطورات الصراع في فلسطين حتى اغتياله.
كيف حول ناجي العلي الألم إلى فن: قصة حنظلة وكاريكاتير المقاومة
بعد احتلال إسرائيل لفلسطين هاجر ناجى العلي مع أهله عام 1948 إلى جنوب لبنان وعاش في مخيم عين الحلوة، ثم هَجر من هناك وهو في العاشرة، ومنذ ذلك التاريخ وصورة فلسطين تتشكل فى مخيلته حتي صار عمره 24 عام ومن ثم استعاد ما حفظته ذاكرته من صور ترجمتها رسوماته التي شاهدها الصحفي والأديب الفلسطيني غسان كنفاني في زيارة له في مخيم عين الحلوة فنشر له أولى لوحاته وكانت عبارة عن خيمة تعلو قمتها يد تلوّح، ونشرت في مجلة «الحرية» العدد 88 في 25 سبتمبر 1961م.
انتقل ناجى العلي من عين الحلوة إلى بيروت، ومنها إلى "الطليعة" الكويتية حتى استدعاه طلال سلمان إلى بيروت من جديد ليشارك في تأسيس صحيفة "السفير" وبقى بها حتى وقع فتابع رحيله إلى الكويت من جديد في صحف "السياسة" و"القبس"، فلما ضاق برسومه بعض أصحاب النفوذ انتقل للعمل في "القبس الدولية".
وفى سنة 1969 ظهرت بجريدة "السياسة الكويتية" شخصية حنظلة بتوقيع ناجي العلي، والتي قدمها كالتالي: "عزيزي القارئ اسمحلي اقدم لك نفسي. اسمي حنظلة. اسم أبوي: مش ضروري. أمي اسمها نكبة، وأختي اسمها فاطمة.نمرة رجلي: ما بعرف لإني دايما حافي.جنسيتي: أنا مش فلسطيني مش كويتي مش لبناني مش مصري. محسوبك إنسان عربي وبس".
ويمثل حنظلة صبيًا في العاشرة من عمره، ورمزًا للهوية الفلسطينية، حتى بعد موت مؤلف الشخصية.
ظلت شخصية حنظلة باقية لأنها تجاوزت قضية محدودة إلى دلالات إنسانية أوسع. ولم يقتصر في انتقاداته على إسرائيل وأمريكا، لكنه انتقد العرب بل حتى بعض الفلسطينيين.
يأتي الإسم من نبات الحنظل، وهو نبات معمر محلي في منطقة فلسطين يحمل ثمرة مرة، وينمو مرة أخرى عند قطعه وله جذور عميقة. يقول ناجي العلي أن الصبي ذا العشرة أعوام يمثل سنه حين أجبر على ترك فلسطين ولن يزيد عمره حتى يستطيع العودة إلى وطنه، يرتدي ملابس مرقعة وظهوره حافي القدمين يرمزان لإنتمائه للفقر.
رسوم ناجي العلي: سلاح بلا رصاص ضد الاحتلال والظلم
كان لدى ناجي شخصيات أخرى رئيسية تتكرر في رسومه، شخصية المرأة الفلسطينية التي أسماها ناجي فاطمة في العديد من رسومه. شخصية فاطمة، هي شخصية لا تهادن، رؤياها شديدة الوضوح فيما يتعلق بالقضية وبطريقة حلها، بعكس شخصية زوجها الذي ينكسر أحيانا. في العديد من الكاريكاتيرات يكون رد فاطمة قاطعا وغاضبا، كمثال الكاريكاتير الذي يقول فيه زوجها باكيا: سامحني يا رب، بدي أبيع حالي لأي نظام عشان أطعمي ولادي فترد فاطمة: الله لا يسامحك على هالعملة. أو مثلا الكاريكاتير الذي تحمل فيه فاطمة مقصا وتقوم بتخييط ملابس لأولادها، في حين تقول لزوجها: شفت يافطة مكتوب عليها «عاشت الطبقة العاملة» بأول الشارع، روح جيبها بدي أخيط اواعي للولاد. أما شخصية زوجها الكادح والمناضل النحيل ذي الشارب، كبير القدمين واليدين مما يوحي بخشونة عمله.
مقابل هاتين الشخصيتين تقف شخصيتان أخرتان، الأولى شخصية السمين ذي المؤخرة العارية والذي لا أقدام له (سوى مؤخرته) ممثلا به القيادات الفلسطينية والعربية المرفهة والخونة الانتهازيين. وشخصية الجندي الإسرائيلي، طويل الأنف، الذي في أغلب الحالات يكون مرتبكا أمام حجارة الأطفال، وخبيثا وشريرا أمام القيادات الانتهازية.
إرث ناجي العلي: حنظلة يواصل رسم طريق الحرية
جمع ابنه وأصدقاؤه مجموعة من رسومه صنفت ضمن موضوعات شكلت أبواب كتاب صدر تحت عنوان "طفل في فلسطين: رسوم ناجي العلي" ؛ ويقول رسام الكاريكاتير الأمريكي الشهير جو ساكو في المقدمة "كانت انتقاداته اللاذعة موحية سياسيا بشدة، إلا أن حنظلة هو الذي يعطيها بعدا شخصيا لدى قراء ناجي العلي".
ويعتبر جو ساكو أن لناجي العلي فضلا في تمكنه من اعداد كتابه الساخر "فلسطين" الذي نال عنه أرفع الجوائز، وهو عبارة عن تقارير صحفية بالرسوم الكرتونية عن الاوضاع في فلسطين المحتلة واسرائيل.
ناجي العلي من سفر إلي سفر
ظل ناجى العلي في غيبويته بالمستشفى حتى فاضت روحه في التاسع والعشرين من أغسطس من عام ۱۹۸۷ ومضت على هذا النحو حياة الشهيد في نزوح دائم ومن سفر إلى سفر.. من وطن بـ بديل إلى بديل آخر وبقى وطنه الحقيقي الوحيد فيما إكتنزه بداخله من أيام الطفولة غير السعيدة.