نظام فاسد والمصريين حفاة.. أسباب قادت لثورة فى 23 يوليو
الثورات دائما تمثل نقاط تحول مهمة فى مسيرة تاريخ الأمم التى تقع فيها، التى تنحى جانبا النظام القديم، وتفتح الباب على مصراعيه أمام تطورات تختلف درجة إيقاعها، تنقل بلادها إلى مرحلة جديدة من مراحل تطورها، وهو ما أحدثته ثورة 23 يوليو 1952، والذي تحتفل مصر هذه الأيام بذكري قيامها الثانية والسبعين.
الأوضاع التى سبقت ثورة 23 يوليو 1952
وفي كتابه “ثورة يوليو إيجابياتها وسلبياتها بعد نصف قرن” يشير المؤرخ دكتور رءوف عباس إلى أن "الثورات فى سعيها إلى تغيير الواقع القائم فى بلادها إلى ما تراه واقعا أفضل تتخذ من الإجراءات ما يضر بالطبقات والشرائح الاجتماعية المسيطرة المسئولة عن أزمة النظام القديم، وما ينفع الطبقات والشرائح الاجتماعية التى تعرضت للظلم والاستبداد والاستغلال من وجهة نظر دعاة النظام الجديد.
وحول فساد الحياة السياسية في مصر قبيل ثورة 23 يوليو 1952، يوضح “عباس”: فقد العرش هيبته، وفقد رصيده عند الشعب، وعند جيلنا الذى ولد مع بداية الحرب العالمية الثانية، كما فقد الساسة رصيدهم من الشعبية (وخاصة الوفد)، بسبب الضوابط التى وضعت للحد من حركة الكفاح المسلح ضد الإنجليز فى القناة، وجاء اعتداء الإنجليز على جنود وضباط الشرطة فى مقر محافظة الإسكندرية فى 25 يناير 1952 ليكشف مدى استهانة الإنجليز بالمصريين، وسبقتها حوادث كفر عبده وغيرها من الحوادث التى بينت للمصريين زيف الاستقلال الموهوم الذى قيل إن مصر حصلت عليه عام 1936 وجاء حريق القاهرة فى 26 يناير 1952 لتبلغ المأساة الوطنية ذروتها، بينما كان الملك يحتفل بسبوع ولده الطفل أحمد فؤاد بوليمة دعا لها جميع ضباط القوات المسلحة. وعندما أمر الملك بنزول الجيش إلى العاصمة لإقرار الأمن، كان قلب القاهرة قد احترق، وكانت قلوب المصريين تكاد تشتعل هى الأخرى لما أصاب الكرامة الوطنية من جرح غائر علي يد الإنجليز، زاد الجرح ألما سلوك الملك المعاد للتيار الوطني، عجز الأحزاب السياسية عن مواكبة الآمال الشعبية في تحرير الوطن من الوجود الأجنبي وتحقيق العدل الاجتماعي.
تفاقم المسألة الاجتماعية قبيل ثورة 23 يوليو
وحول الأوضاع الاجتماعية التي سادت المجتمع المصري، أو ما سمي بمجتمع الواحد في المائة، والتي قادت إلي ثورة 23 يوليو 1951، يوضح الدكتور رءوف عباس في نفس الكتاب: "واحتدمت المسألة الاجتماعية احتداما شديدا، نتيجة تركز الملكيات الزراعية فى أيدى نصف بالمائة من جملة عدد ملاك الأراضى، مع وجود قاعدة عريضة تضم نحو 80 % من سكان الريف كانوا من الفلاحين المعدمين. فاتسعت الفجوة بين الغنى والفقر دون أن تطرح السياسات الاجتماعية التى تعالج مضاعفات هذه الظاهرة التى كانت بالغة القسوة، ولا أدل على ذلك من استمرار هبوط متوسط الدخل القومى للفرد، وذهاب 61 من الدخل القومى إلى جيوب شريحة النصف بالمائة من الملاك عام 1945 بينما كان متوسط أجر الفلاح فى العام لا يزيد على أربعة عشر جنيها وفق إحصاءات 1950 بينما كان أجر العامل الصناعى لا يزيد على خمسة وثلاثين جنيها فى العام. وكانت تلك الأجور المتدنية لا تكفى إلا لسد نصف ما تحتاجه أسرة مكونة من زوجين وأربعة أطفال (وهو متوسط حجم الأسرة عندئذ) من طعام وكساء فقط وفق الأسعار الرسمية وليس أسعار السوق السوداء، أى أن السواد الأعظم من المصريين (الفلاحين والعمال) كانوا يعيشون دون الحد الأدنى للكفاف بمقدار النصف تقريبا.