رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اليوم التالى.. سيناريوهات إسرائيل للتعامل مع غزة بعد انتهاء الحرب

غزة
غزة

لايزال الحديث عن «اليوم التالى فى غزة» مستمرًا فى إسرائيل، وسط اختلاف فى الرؤى حول من يتولى حكم القطاع بعد انتهاء الحرب، بين السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس «أبومازن» أو غيره، أو استمرار حركة «حماس».

ورغم تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، بأنه لن يسمح بعودة «حماس» إلى حكم غزة من جديد- لم يظهر «البديل المناسب» لإسرائيل، حتى السلطة الفلسطينية، لأن توليها حكم القطاع يعنى دخول المسار الذى يؤدى مباشرة إلى عملية سياسية تقوم على حل الدولتين.

كما أن قوات الاحتلال الإسرائيلى لم تنجح فى «تدمير حماس» بشكل نهائى، ورغم الحرب الغاشمة التى تشنها على القطاع منذ أكثر من ٩ أشهر، لا يزال للحركة وجود قوى فى الشارع الفلسطينى، ولم تفقد كامل قدراتها العسكرية والتنظيمية حتى الآن.

كيف تنظر إسرائيل لملف حكم غزة بعد الحرب؟ وهل يمكن أن تقبل بعودة «حماس» لتولى مسئولية القطاع من جديد؟... أسئلة نحاول الإجابة عنها فى السطور التالية، بعد أن نستعرض تفاصيل الوضع الحالى فى غزة.

 

سرقات البنوك والعصابات تدفع الجميع للهروب من تولى مسئولية القطاع

يزداد الوضع فى غزة سوءًا يومًا بعد يوم؛ ما يُعقد إمكانية قبول أى جهة تولى إدارة القطاع. ولعل ما حدث من سرقة ١٢٠ مليون دولار من داخل بنك فلسطين، فى أبريل الماضى، أبرز المشاهد الدالة على ما يعانيه القطاع من فوضى.

الـ١٢٠ مليون دولار كانت مودعة فى خزائن فولاذية داخل الفرع الرئيسى للبنك فى حى «الرمال»، وجرت سرقتها عن طريق تفجير قوى أدى إلى حريق ضخم، لتتطاير فى الهواء مئات الأوراق النقدية من الدولارات والشواكل، وليدخل بعدها عشرات المسلحين إلى المبنى، ويجمعوا الملايين التى كانت مودعة فيه.

ولم تكن هذه عملية السطو الوحيدة، فقد شهد نفس الشهر عملية سطو مماثلة جرت خلالها سرقة حوالى ٣٦ مليون دولار أخرى. كما أفاد تقرير لصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية بسرقة حوالى ٧ ملايين دولار من الصرافات الآلية، عن طريق لصوص دخلوا مبنى البنك واقتلعوا الصرافات الآلية، ثم أفرغوها من الأموال الموجودة بها.

ونقص النقود، والصعوبة الكبيرة فى تنفيذ تحويلات بنكية بين فروع البنوك، من الضفة الغربية إلى غزة، هى فقط جزء من المشكلة الاقتصادية الصعبة والمعقدة جدًا داخل القطاع، الذى يعانى ويلات الحرب الإسرائيلية منذ أكثر من ٩ أشهر. 

وأسفر ذلك عن ازدهار «اقتصاد موازٍ»، تسيطر فيه عصابات إجرامية محلية على الأسواق وتديرها، إلى جانب جمع رسوم حماية، والسيطرة على مخازن تخزين الأغذية وغيرها من السلع، وصولًا إلى تنظيم كميات الطعام التى ستباع، مع تحديد أسعارها، وكل هذا بتهديد السلاح، وفق التقارير العبرية. وزعمت هذه التقارير أن «ما يرد من غزة يتحدث عن حروب بين العصابات، وسيطرتها على الأحياء والشوارع، إضافة إلى ارتكاب أعمال عنف شديدة وقتل؛ بسبب كيس دقيق أو حزمة مساعدة»، مشيرة إلى أن «تلك العصابات كانت موجودة حتى قبل الحرب، لكن انضم إليها مئات السجناء الجنائيين، الذين أُطلق سراحهم مع بداية الحرب، خوفًا من أن تقصف إسرائيل السجون».

كما أن الحديث عن انتقال جيش الاحتلال الإسرائيلى إلى «المرحلة الثالثة» من الحرب، والتى ينسحب فيها معظم قواته من قطاع غزة، مقابل تنفيذ عمليات ضد «حماس» بطريقة الاقتحامات، يقلق الجهات الدولية التى تعمل فى القطاع، وعلى رأسها منظمات الإغاثة الدولية وغيرها التابعة للولايات المتحدة. 

ووفقًا لتقديرات عبرية، هناك كميات ضخمة من السلع التى وصلت من الخارج، تصل إلى ٦ آلاف طن موضوعة فى مخازن، منذ ٩ يونيو الماضى، لكن لا يتم توزيعها، بسبب عدم وجود «كيان متفق عليه» مستعد لتوزيعها، خوفًا على حياة رجاله.

من بين هذه الكيانات «برنامج الغذاء العالمى» التابع للأمم المتحدة، الذى أعلن أنه عن «يوقف مؤقتًا» عمليات التوزيع، بعد أن أصيب مخزنان له بقصف صاروخى. وتزامن ذلك مع تشكيل إسرائيل والولايات المتحدة ما يعرف باسم «سلطة إدارة القوافل»، وهو كيان أقيم بشكل خاص من أجل فحص سبل آمنة لتوزيع المساعدات الإنسانية، ويقع فى قاعدة عسكرية بالقرب من «أشكلون».

وحتى مارس الماضى، عملت «لجان شعبية» مكونة من «متطوعين مسلحين» على حماية مراكز التوزيع، ومرافقة قوافل المساعدات والإغاثة، قبل أن تتوقف عن ذلك بسبب مقتل ٧٠ من رجالها.

قبول صفقة الأسرى والاكتفاء بنتائج الحرب أو استمرار الضغط على «حماس»

أمام هذا الواقع الفوضوى، تظهر ٣ سيناريوهات أمام إسرائيل للتعامل مع غزة، أولها قبول صفقة وقف إطلاق النار ووقف الحرب، وخروج الجيش من القطاع فى أقرب وقت ممكن، مقابل تحرير المخطوفين المحتجزين هناك.

ويرى المؤيدون لهذا السيناريو أن «تحرير المخطوفين يأتى فوق أى اعتبار آخر». كما أن «إسرائيل ضربت حماس والمؤيدين لها من سكان غزة بقوة»، لذا من الصعب على الحركة إعادة بناء قوتها قريبًا، ولن تكون لديها القدرة على تكرار هجوم ٧ أكتوبر. علاوة على أنه «من الأفضل لإسرائيل أن تنهى الحرب؛ نظرًا لأعبائها الكبيرة».

لكن هذه الخطة تعنى ضمنًا الإبقاء على «حماس» بصفتها القوة المسيطِرة فى غزة، وتعتبر اعترافًا صريحًا بأنه من الصعب القضاء على الحركة، سواء على الأرض والميدان، أو حتى كفكرة فى عقول الفلسطينيين.

السيناريو الثانى تؤيده المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، ويرى ضرورة الاستمرار فى الضغط على «حماس» من أجل تفكيكها، عن طريق «المرحلة الثالثة» من الحرب، التى تعتمد على الاقتحامات والهجمات المركزة، التى تدفع من خلالها الحركة «ثمنًا مؤلمًا»، وتدفعها إلى قبول صفقة المخطوفين التى اقترحتها إسرائيل.

ويرى مؤيدو هذا السيناريو أن المرونة التى أبدتها «حماس» تجاه الصفقة دليل على صحة ادعاءاتهم، مشيرين فى الوقت ذاته إلى ضرورة الدفع بحكم «غير مرتبط بحماس» مع تفضيل العناصر غير المنتمية لـ«فتح»، لكن دون استبعادهم.

وحسب هذا السيناريو، يستمر جيش الاحتلال فى تحمل «المسئولية الكاملة» داخل غزة، ويبقى موجودًا فى «محور فيلادلفيا»، مع البقاء كذلك فى ممر «نتساريم»، والمنطقة المحيطة بالقطاع.

ورغم أن ذلك يُبقى سيطرة «حماس» على أغلبية الأراضى فى قطاع غزة، وعلى الجزء الأكبر من السكان، يسمح لإسرائيل فى المقابل بالدخول والخروج من القطاع دون أى قيود، لكن دون إدارة حياة المواطنين، وهو ما يشبه الوضع فى أراضى السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية.

أما السيناريو الثالث فتؤيده الحكومة الإسرائيلية، ويقوم على أنه بعد استنفاد فرص تحقيق صفقة تحرير المخطوفين، ينبغى السعى للقضاء على «حماس» عسكريًا وكسلطة، بكل ما أوتيت تل أبيب من قوة، بما يعنى الاستمرار فى توجيه قوات كبيرة لاستكمال «تدمير البنى التحتية لحماس». وفى مرحلة أولى من هذا السيناريو، يتم استبدال سلطة «حماس» بحكم عسكرى إسرائيلى. وبعد وقت غير طويل، وبعد أن يتأكد عدم عودة «حماس» إلى الحكم، يتم نقل الحكم إلى «أطراف فلسطينية لا علاقة لها بالحركة»، وكذلك إلى «إدارة دولية- عربية مؤقتة» تهتم بمسألة إعادة إعمار غزة. وحسب تقارير عبرية، تكمن مشكلات هذا السيناريو فى إمكانية تطبيقه دون إلحاق ضرر بالعلاقات مع الولايات المتحدة، التى أعلنت معارضتها العلنية سيطرة إسرائيل على غزة، وكذلك بـ«شرعية» إسرائيل أمام المجتمع الدولى. كما أن تكلفة السيطرة الإسرائيلية على غزة لطرد «حماس» من السلطة كبيرة جدًا، سواء من حيث حجم القوة العسكرية المطلوبة، أو الخسائر التى ستنتج من الوجود المستمر فى «منطقة مليئة بالمسلحين»، أو ما يتعلق بالثمن الاقتصادى.

رفض إدارة السلطة الفلسطينية والسعى لإقرار سيناريو «الضفة 2»

تقارير إسرائيلية أخرى قالت إن الأوساط العسكرية والسياسية ترفض وجود بديل لحركة «حماس» فى غزة من بين الفلسطينيين، مشيرة إلى أن بنيامين نتنياهو وغيره من أصحاب القرار يرفضون تولى السطة الفلسطينية حكم غزة.

ويرفض هؤلاء كذلك اقتراح إسناد حكم القطاع إلى عشائر محلية، وصولًا حتى إلى رفض إسناد السيطرة الأمنية على القطاع إلى قوة أو هيئة أو دولة، طالما أن «حماس» لا تزال على الأرض وتستطيع إزعاج إسرائيل.

وفقًا للتقارير الإسرائيلية، تريد تل أبيب أن تجعل من غزة نموذجًا مثل الضفة الغربية، ليكون القطاع بمثابة «الضفة الغربية ٢»، بحيث تتاح لها حرية عمل فى داخله، مثل التى تملكها فى الضفة، أى تدخل وتخرج إلى القطاع وتنفذ عمليات فيه بكامل الحرية.

لكن تُدرك إسرائيل جيدًا أنه لا توجد مؤشرات تؤكد إمكانية تحقيق هذه الرغبة، فى ظل وجود اختلافات جوهرية بين الوضع فى الضفة وغزة، من بينها أن «الخلايا العسكرية» فى الضفة ليست هى الجهة التى تسيطر على الشئون الأمنية والمدنية، فلا «عرين الأسود» ولا حتى أى منظمة أخرى مسئولة عن الحياة اليومية للسكان، بل هى جماعات تنشط على الأرض دون أى سلطة، على عكس «حماس» فى غزة.

كما أن الجهة الفلسطينية التى تحكم فى الضفة الغربية لديها اتفاقات وتفاهمات قوية مع إسرائيل، وتختلف تمامًا عن «حماس»، التى تبنى عقيدتها على محاربة إسرائيل وليس عقد اتفاقات معها، وتعتبر مسئولة عن نشاط الجماعات الصغيرة فى القطاع، وفق التقارير العبرية.

فى المقابل، ترى التقارير ذاتها أن قيادات «حماس» يعلقون آمالهم على إبرام صفقة تبادل الأسرى، لأنها ستسمح لهم بطرد الجيش الإسرائيلى من قطاع غزة، وتجعلهم أصحاب السيادة والحكم، مثلما كانوا عليه قبل بدء الحرب الأخيرة.