الدعم العينى وذيل الجمل
ماذا لو منحت الدولة المواطن محدود ومهدود الدخل والحيل جملًا بأربع أرجل وذيل؟
أتصور فى ضوء ما رأيته بنفسى وبأم عينى التى أُجهدت من الشوفان سوف يصل لمهدود الدخل من الجمل أو الناقة مجرد ذيل أو نهايات الذيل «ما يسمى بطرطوفة العكوة» وهى طرطوفة منحوفة منتوفة خالية من الجيلاتين لا تسمن ولا تغنى من بروتين، وإذا منحته خروفًا قد يحصل على قرنه فى أفضل الأحوال، ولو منحته دجاجة بلدى سيحولها لدجاجة بيضاء وقد يصله منها رأس وأرجل الفرخة الغنية بالجيلاتين المطلوب للعواجيز أمثالى.
أقول هذا تزامنًا مع تصريحات وزير التموين بأن هناك اتجاهًا للدعم النقدى بديلًا عن الدعم العينى المنهوب عينى عينك حتى احولّت عيناى من إجهاد المتابعة يمينًا ويسارًا فى بر المحروسة، والتى صارت بمافيا الدعم موكوسة.
وقد شاهدنا من خلال وسائل الإعلام حركة المحافظين باتجاه ضبط منظومة العيش وبخاصة محافظ الدقهلية النشط ميدانيًا اللواء طارق مرزوق، ومحافظ القاهرة الدكتور إبراهيم صابر ومحافظى أسيوط والجيزة والشرقية والمنيا، ومعظم المحافظين، وشاهدنا ضبط أجولة البطاقات مع أفراد بأعينهم لديهم مصالح مع أصحاب المخابز، كما فى الدقهلية وغيرها من المحافظات.
هنا فى القاهرة وعلى طريقة بلاها سوسو خد توتو، يمكن أن تحصل على بيضة بدلًا من خمسة عشر رغيفًا- وتلك مقايضة ظالمة بين العيش والبروتين- إذ يمكن الاستغناء عن العيش رغم أنه مادة امتلاء لأسرة كاملة مع قليل من إِدام.. لتحصل على بيضة لا تكفى ولا تشبع فردًا واحدًا ليتقاسم باقى أفراد الأسرة النظر لهذا المنكوب الذى يأكل بيضة لا تشبعه، ويتولى الفرنجى والخبزجى صرف الدعم الموجه على حسابه المتخم فى البنك، ويصبح صاحب المخبز بائع بيض محترفًا، حتى إن البقالين يشكون من ضعف مبيعات البيض فى محلاتهم، لأن البهوات أصحاب المخابز سيطروا على سوق بيع البيض القطاعى.
وقد أحسب أن خطيئة الحكومة الكبرى فى هذه المنظومة الإلكترونية الحديثة أنها أدخلت نظام البطاقة الممغنطة الإلكترونية ظنًا منها أنه سوف يصعب اختراقها، وعلى ما يبدو أن الحكومة كان معمولًا لها عمل على خف جمل حتى لا تبصر هذه الخطايا الكبرى، وربما ظنت الحكومة أنها تحكم الشعب الفرنسى، وليس المصرى «الحفريت».
هذا نظام لا يمكن نجاحه مع شعب نسبة الأمية فيه لا يستهان بها، وبخاصة فى هذه الفئة المستهدفة.
أتذكر أننى التقيت سيدة طيبة أدلت بصوتها على التعديلات الدستورية فى زمن الرئيس مبارك، وسألتها: ما رأيك فى التعديلات، والدستور؟ وقد أجابتنى: «الدستور ده راجل محترم وخدوم وبيساعدنا ويدينا قزازة زيت وكيس سكر ورز وحاجات بتساعدنا».
وعلى ما يبدو تشابه الأمر عليها، وخلطت بين الدستور والدكتور أحمد فتحى سرور عليه رحمة الله، وبالفعل اخترقت السيدة موكب الرجل عقب تصويته على التعديلات وقالت له بصوت مرتفع «أنا انتخبتك يا دكتور».
فإذا كان حال معظم من يتعاطون مع هذه المنظومة من محدودى الثقافة، فإنه بالتأكيد سوف يصعب عليهم مواجهة ألاعيب مافيا المخابز، على طريقة السيدة التى لم تفرق بين الدستور والدكتور سرور.
وفى تصورى رغم نقص البيانات المتعلقة بتسرب الدعم، إلا أننى أحسبه تسريبًا يتجاوز ٨٠٪ على أقل تقدير لمنظومة الدعم العينى.
وقد أحسب أن إيجاد حلول عملية تعطى الدعم نقدًا، وكاملًا دون انتقاص لمستحقيه أمر يعيد الأمور لنصابها الصحيح، حتى لو حصلوا على فخذة جمل وقليل من كوارعه.
أقول قولى هذا وقد كنت من أشد المعارضين لفكرة إلغاء الدعم العينى، ولكن ما عرفته عن قرب جعلنى أندم على معارضتى وأنى أسهمت فى تسهيل الاستيلاء على الدعم العينى العام، وهآنذا أتبرأ وأتخفف من خطاياى وأعلنها «أوقفوا هذه الجريمة المنظمة لأنها منظومة عَصِية على المراقبة».
وللحديث بقية