مَن يعطل انتخابات المحليات؟
حركة المحافظين التى تمت بالتوازى مع التغيير الحكومى الأخير، كانت هى الأوسع فى العقود القريبة. كثيرون تفاءلوا بها، وبالأسماء الجديدة التى وصلت لمناصبها.
الصحف والمواقع اجتهدت فى صياغة بروفايلات عنهم. تشرح فيها مؤهلاتهم وخبراتهم، والأماكن التى عملوا فيها من قبل، أراها تشكيلة جيدة للغاية.
غالبية المحافظين فى التشكيل القديم اتسموا بالبطء فى اتخاذ القرارات وعدم التفاعل مع الرأى العام، كما عملوا فى واقع الأمر، كسكرتارية تنفيذية لما يصدر من قرارات مركزية فى العاصمة. استسلموا لذلك، وغاب عنهم الحماس والحنكة السياسية.
ومع هذا التفاؤل الواسع، أجدنى أؤكد أنه لا فائدة ترجى، ولا تغيير حقيقيًا أو ملموسًا سيحدث فى المحافظات، طالما هناك إصرار على تغييب انتخابات المحليات، وكذلك تسويف ظهور قانون جديد للإدارة المحلية.
المحافظون الجدد سيجتهدون فى سعيهم للعمل مع الجماهير، وسينزلون للشوارع للاطلاع على المشكلات بشكل مباشر. بعضهم سيحقق شعبية فى محافظته، أو على المستوى العام، ولكن بالتدريج، سيختفى الحماس، فيما سيواجهون جميعًا عراقيل روتينية تصنعها على الدوام ترسانة القوانين الحالية، وضمنها قانون الإدارة المحلية العتيق، ينفذ نصوصه كهنة الوظائف العليا بكل دقة وأمانة. وهذه القوانين البائدة تكرس للمركزية بأعنف أشكالها، وتنزع السلطات المهمة من الأقاليم ومن المحافظين وكبار المسئولين المحليين وتجمعها فى يد الحكومة المركزية بالقاهرة.. وبشكل مبالغ فيه. تحارب اللامركزية ولو فى المهام والوظائف البسيطة نظامًا لا يشجع على الإبداع فى المحافظات على أى مستوى.
وهناك صيغ عديدة لمشروع قانون الإدارة المحلية الجديد، أحزاب الأغلبية والمعارضة أدلت بدلوها فى هذا الشأن.
انتخابات المجالس المحلية السابقة عرفت تنافسًا حزبيًا شريفًا، وأداءً جيدًا إلى حد كبير.
هناك أيضًا مراكز أكاديمية ومؤسسات سياسية وشخصيات عامة وبرلمانية متفاعلة مع الإدارة المحلية دأبت على صياغة مشروعات خاصة بها، أو اشتركت فى تقديم مشروع واحد. تصفحت بعضها، وقرأت تصريحات عن بعضها الآخر. جاءت فى غالبها متوافقة مع نصوص دستور ٢٠١٤، وراعت المادة ١٨٠ من الدستور، التى تشترط التمثيل بنسب معينة للمرأة والشباب والأقباط وذوى الإعاقة فى المجالس المحلية، كما تراعى ألا تقل نسبة العمال والفلاحين فى هذه المجالس عن ٥٠٪.
وهناك مواسم للاهتمام بالحديث عن الانتخابات المحلية وقانون المحليات الجديد، ولكن وصل الأمر ذروته بعدما تحدث الرئيس السيسى فى أحد مؤتمرات الشباب، وكان ذلك فى ٢٠١٩، وأكد أن غياب المجالس المحلية كان أحد الأسباب الرئيسية وراء تراجع الأداء الحكومى فى الفترة التالية لثورة يناير ٢٠١١.. بالفعل مصر تعيش بلا مجالس شعبية محلية على مدى ١٣ عامًا.
فى أعقاب هذا التصريح نشطت الحكومة والبرلمان والأحزاب لمعالجة هذه الثغرة، التى أشار إليها الرئيس، وظهرت التصريحات والبيانات الرسمية التى تبشرنا بقرب إقرار قانون الإدارة المحلية، وفى أعقابه يتم تنظيم الانتخابات المحلية على جميع مستوياتها.
مرت السنوات ولم يظهر القانون، بل شهدنا ترددًا عجيبًا، ثم مبررات عديدة لتسويف الأمر، وعدم إيصال أى مشروع من التى جرى تداولها إلى البرلمان.
وفى الشهور الأخيرة، عادت الحياة للموضوع مع انعقاد جلسات الحوار الوطنى.
وفى داخله، تشكلت لجنة متخصصة للمحليات تضم خبراء ومتخصصين فى هذا الشأن. قرأت تصريحًا قبل ستة أشهر لمقرر اللجنة سمير عبدالوهاب، أن وجود مشروع قانون المجالس الشعبية المحلية، هو مطلب أساسى للحوار الوطنى ليترجم مواد الدستور والعلاقات بين الوحدات المحلية والحكومة والموازنات المستقلة.
كما قرأت معلومات مهمة فى تحقيق صحفى نشرته الزميلة هاجر صلاح فى صحيفة الأهرام، أنقل منه أن مشاكل المحليات باتت تضغط على البرلمان وتعطله، وذلك بسبب غياب المحليات، وأن هناك حاجة ماسة لإعادة تجزئة أقاليم الدولة إلى أجزاء أكثر.. وأن هذا من شأنه أن يساعد فى مسيرة التنمية. كما يطرح أهمية الاستقلال المادى لكل محافظة، مع توسعة دور الأجهزة الرقابية والمجالس الشعبية المنتخبة فى مراقبة هذه المنظومة.
كما يؤكد لسان الخبراء الذين تحدثت إليهم، وبعضهم شارك فى الحوار الوطنى أو هو عضو فى لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب أن مقرر الحوار الوطنى ضياء رشوان سبق ووعد بأن انتخابات المحليات لن تتأخر كثيرًا.. وأنه وجه دعوة للراغبين فى المشاركة بالاستعداد لذلك. لكن انتهت دورة انعقاد البرلمان ولم يتم إقرار القانون!
كثرت الوعود الرسمية وغير الرسمية، التى تبشر بعودة المحليات، ولم تصدق جميعها.
أتمنى من جانبى أن تقترن حركة المحافظين الجديدة، بتنفيذ أجندة شاملة للإدارة المحلية تعتمد سلطات أكبر للمحافظين. منظومة حديثة للامركزية عمادها الأساسى انتخابات محلية شاملة ونزيهة، تفرز قيادات شعبية سياسية على كل المستويات، قيادات مؤهلة للتصعيد لشغل مناصب أعلى وأرفع على المستوى القومى.
بالفعل، الانتخابات المحلية مهمة وضرورية للتنمية والتقدم والاستقرار.
لا أدرى، مع كل هذه الحجج والبراهين، هوية الطرف، أو الجهة، التى تعرقل الاستحقاق الدستورى، بتنفيذ الانتخابات المحلية فى مواعيدها الطبيعية، وماهى المبررات لذلك؟