رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تنازلات صعبة.. الطريق لإتمام صفقة وقف إطلاق النار فى غزة

غزة
غزة

بعد تسعة أشهر من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تواجه حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، موقفًا صعبًا، بعد أن أصبح عليها القبول بصفقة تتضمن وقف إطلاق النار وتحرير المحتجزين الإسرائيليين فى القطاع، مقابل وقف الحرب فى غزة، وسط تزايد ضغوط الوسطاء لإتمام الصفقة فى أقرب وقت.

وخلال الأسبوع الماضى، عادت المفاوضات مجددًا، فى القاهرة والدوحة، بين دولة الاحتلال وحركة «حماس» الفلسطينية، لإتمام صفقة وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، بعد تأخرها لعدة أشهر، ومع هذه العودة أصبح من الضرورى لإتمام الهدنة ووقف إطلاق النار أن يقدم كلا الطرفين تنازلات صعبة، وأن يخوض مفاوضات معقدة للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.

تغير فى موقف «حماس» بالتراجع عن المطالبة بـ«وقف دائم للحرب» قبل بدء المفاوضات

أعلنت هيئة البث الإسرائيلية عن أن إسرائيل شكلت وفدًا لمفاوضات وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، التى تستضيفها الدوحة، يضم كلًا من رئيس «الموساد» ديفيد بارنياع، ورئيس «الشاباك» رونين بار، والمكلف بقضية الرهائن فى الجيش الإسرائيلى نيتسان ألون.

فيما نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية عن مصادر مطلعة على المفاوضات قولها إن الجولة الحالية من التفاوض ستكون معقدة، وستستغرق عدة أسابيع، مع الإشارة إلى أن المباحثات فى الدوحة تشهد بذل محاولات لتضييق الفجوات حول القضايا التى لا تزال محل نزاع بين إسرائيل وحركة «حماس».

وأشارت إلى أن هناك عددًا من الفجوات بين إسرائيل و«حماس» أوقف المفاوضات أكثر من مرة، منه إصرار «حماس» من قبل على ضرورة موافقة إسرائيل أولًا على وقف إطلاق النار بشكل دائم قبل إطلاق سراح أى محتجزين لديها؛ وهو ما رفضته إسرائيل أكثر من مرة.

ونوهت بأن الأسبوع قبل الماضى شهد تخلى «حماس» عن ذلك المطلب، ما سمح للمفاوضات بالمضى قدمًا.

فى المقابل، أوضح مصدر كبير فى حركة «حماس»، فى حديث لوكالة «رويترز»، السبت الماضى، أن الحركة قبلت اقتراحًا أمريكيًا لبدء المحادثات، وتخلت عن مطلبها بأن تلتزم إسرائيل أولًا بـ«وقف دائم» لإطلاق النار قبل التوقيع على الاتفاق، مع التنويه بأن «حماس» ستسمح للمفاوضات بتحقيق ذلك طوال المرحلة الأولى من الاتفاق المرتقب، التى قد تستمر لستة أسابيع.

وأشار المصدر إلى أن الاقتراح الجديد يقضى بأن يضمن الوسطاء «وقفًا مؤقتًا» لإطلاق النار، وإيصال المساعدات إلى القطاع، مع انسحاب القوات الإسرائيلية طالما استمرت المحادثات غير المباشرة لتنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق. 

فيما أكد مسئول فى «حماس»، فى حديثه لوكالة «أسوشيتد برس» للأنباء، السبت الماضى، أن الحركة سحبت طلبًا من الالتزام المسبق بوقف الحرب فى قطاع غزة كجزء من صفقة إطلاق سراح المحتجزين لديها، لإزالة ما اعتبره البعض «العائق الرئيسى الذى عطّل المفاوضات»، فى تنازل من الحركة.

وفى أعقاب ذلك، تجرى الوفود المختلفة مباحثات مكوكية فى الدوحة، منذ عدة أيام، بهدف التوصل لاتفاق مكتوب يتناول تفاصيل المرحلة الأولى من الصفقة، فى ظل تفاوض إسرائيل و«حماس»- إلى جانب الوسطاء- على إطلاق سراح النساء وكبار السن والجرحى، أولًا، وبعد ذلك سيتم التفاوض على شروط المرحلة الثانية من الصفقة، التى يتم فيها تبادل الرجال السجناء فى غزة.

ومن المفترض أن تشهد المرحلة الثالثة من الصفقة إعادة جثث المحتجزين الإسرائيليين فى القطاع، مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين، مع البدء بإعادة تأهيل قطاع غزة.

وتصر «حماس» حاليًا على وجود التزام كتابى يضمن أن تستمر إسرائيل فى التفاوض على «اتفاق دائم» بمجرد دخول المرحلة الأولى من الصفقة حيز التنفيذ، وهو ما ترفضه إسرائيل، وتصر الحركة عليه، خوفًا من استئناف الحرب فى نهاية المرحلة الأولى من الصفقة.

وقالت مصادر من «حماس» إن الحركة تلقت وعودًا شفهية وضمانات بأن الحرب لن تتجدد، أو أن الهدنة ستستمر حتى التوصل إلى اتفاق كامل لوقف إطلاق النار، لكنها تريد التزامًا كتابيًا.

من الناحية الأخرى، أعرب مسئولون إسرائيليون عن قلقهم من أن «حماس» قد تؤجل المحادثات أو تنفيذ المرحلة الأولى من الصفقة لحين القبول بذلك الشرط، والموافقة على بند مبدئى يمنع إسرائيل من العودة للقتال بعد المرحلة الأولى من تنفيذ الصفقة، وهو أمر غير مقبول بالنسبة لإسرائيل.

تضارب مواقف فى تل أبيب بين تعنت حكومة نتنياهو ورغبة العسكريين فى إنهاء القتال

فى الداخل الإسرائيلى، تسود خلافات فى وجهات النظر بشأن اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة، وإبرام صفقة مع حركة «حماس»، التى يجرى التفاوض بشأنها حاليًا فى الدوحة، بين تيارين، أولهما المؤسسة العسكرية، التى تدفع باتجاه إتمام الصفقة ودفع الثمن المطلوب لذلك، مثل وقف الحرب، أو تغيير شكلها، مع الانسحاب من غزة، فى مقابل تيار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذى يرفض «دفع ثمن جدى» لتبادل المحتجزين والأسرى، مثل وقف إطلاق نار تام ومعلن، وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين. ويرى تيار المؤسسة العسكرية أن الصفقة المعروضة حاليًا تحقق له مجموعة من الأهداف، منها إطلاق سراح من تبقى على قيد الحياة من ١٢٥ محتجزًا إسرائيليًا فى قطاع غزة، وخروج الجيش من القطاع بعد ٩ أشهر من الحرب، حقق فيها ما استطاع من الأهداف، مع تجنب حدوث حرب واسعة مع «حزب الله» فى لبنان. 

أما التيار الثانى، الذى يقوده نتنياهو، فيسعى إلى تحقيق صفقة دون دفع الثمن المطلوب، وهو وقف الحرب وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين بارزين، مدعيًا أن هذا يعد استسلامًا لـ«حماس».

ويسود اعتقاد على نطاق واسع فى إسرائيل بأن المفاوضات الحالية ستستغرق ما لا يقل عن أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، لحين التوصل إلى اتفاق.

فيما قال ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، فى بيان الأحد الماضى، إن هناك عددًا من الأمور التى لن تتخلى عنها إسرائيل فى المفاوضات، منها «الموقف الحازم لرئيس الحكومة ضد محاولة وقف عملية الجيش الإسرائيلى فى رفح»، مع الإيحاء بأن استمرار الحرب هو الذى دفع «حماس» إلى المفاوضات.

كما أكد البيان إمكانية عودة إسرائيل إلى القتال حتى تحقق كل الأهداف، ومن بينها «منع تهريب الأسلحة إلى حماس، ومنع عودة آلاف المسلحين إلى شمال قطاع غزة، وزيادة عدد المحتجزين الأحياء الذين ستتم إعادتهم إلى الحد الأقصى»، مع الإشارة إلى أن تلك الأمور تحظى بمباركة الرئيس الأمريكى جو بايدن.

من ناحيته، يرى الجيش الإسرائيلى أن الوقت مناسب لوقف إطلاق النار، ويسود اعتقاد بأن قواته تقترب من تحقيق هدف الحرب الأول، وهو تدمير القدرات العسكرية لـ«حماس» وسحق بنيتها التنظيمية العسكرية، رغم أن عملية القضاء على القدرة السلطوية والتنظيمية للحركة، وكما يبدو، لم يتم تدميرها تمامًا.

وحول ذلك، كتب يعقوب ناجل، فى صحيفة «جيروزاليم بوست»، أنه على الرغم من ذلك فإن لدى إسرائيل هدفًا آخر من الحرب، وتم الإعلان عنه فى الأيام الأولى منها، وهو إعادة جميع المحتجزين، وهو أمر لا يزال من غير الواضح إن كان من الممكن تحقيقه أم لا.

وقال: «المطلب الرئيسى لإسرائيل لا بد أن يكون الإفراج الكامل عن جميع المحتجزين والجثث منذ البداية. والفشل فى تلبية هذا المطلب، الذى يبدو أنه من غير الممكن تحقيقه، يشكل خطرًا كبيرًا على فرصة الإفراج عن آخر مجموعة من المحتجزين، ما لم تحتفظ إسرائيل بقدر كافٍ من النفوذ وأوراق مساومة للمستقبل».

واعتبر أن المطلب الرئيسى لـ«حماس» يتمثل فى العودة إلى أوضاع السادس من أكتوبر، أى الوقف الكامل للحرب بشكل دائم، والمضمون بضمانات دولية، إلى جانب الانسحاب الكامل لجميع قوات الجيش الإسرائيلى من قطاع غزة.

وأضاف: «لكى يتم إطلاق سراح المحتجزين، فسوف يتعين على إسرائيل أن تتخلى عن بعض إنجازاتها حتى الآن».

وأشار إلى أن إسرائيل تريد فى المرحلة المقبلة من المفاوضات أن تحتفظ بالقدرة على فرش السيطرة الكاملة على قطاع غزة، مع حرية العمل فيه، والدخول إلى عمق القطاع والبقاء فيه للتعامل مع أى تهديدات أو محاولات لإعادة بناء قدرات «حماس»، بالإضافة إلى السيطرة على ممر فيلادلفيا «صلاح الدين»، الذى يمثل حدود القطاع مع مصر، منوهًا إلى أن كل ذلك سيتحدد بناءً على الترتيبات الخاصة بأوضاع «اليوم التالى» فى قطاع غزة.