الحكومة الجديدة وهيئة تعاونيات الإسكان
حكومة جديدة وملفات متخمة على المائدة، كل العيون تتجه نحو المواطن المصرى وأحلامه وطموحاته، ومنذ انفجار الأسعار فى السوق المحلية، والمواطن المصرى يعيش فى أجواء ليست كتلك التى راودت أحلامه وهو يخرج ثائرًا فى 30 يونيو، وقتها نجح باقتدار فى استعادة مصر من بين مخالب عصابات الإخوان التى لا تعترف بحدود الوطن ولا ترى المواطن المصرى.
جرت مياه كثيرة فى النهر، متغيرات عالمية حادة كان لها بالغ الأثر فى العديد من الدول سواء القريبة أو البعيدة، الموج المتلاطم كان لابد أن يصيبنا بعضا منه، لذلك تأخرت الأحلام قليلًا، ولكنها لم تمت، والكتابة عن الأجندة الكاملة هو خطأ منهجى لا يجب الوقوع فيه، لذلك نجد العنوان الرئيس وهو مجتمع المشاركة الشعبية ومن بعده يمكن الدخول إلى الفروع وكل فرع بتفاصيله.
وعلى سبيل المثال لا الحصر نسأل أين ذهبت الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان؟ تلك الهيئة التى كانت نموذجًا يحتذى به فى توفير شقة لكل مواطن محدود الدخل، ذهبت الهيئة وغابت مشاريعها الكبرى فى واحدة من أعجب حالات الغياب رغم وجودها الشكلى فى مبان فخمة ومكاتب مكيفة وجيش من الموظفين.
صحيح أن عشرات النماذج حلت محلها فى تدبير السكن سواء كان الإسكان الإجتماعى أو غيره ولكن هيئة التعاونيات بما تمتلك من خبرة عميقة فى ذلك المجال تبقى هى الحصن الأخير للمواطن محدود الدخل، وهنا أقصد المواطن الملتزم وليس المواطن الكسول البلطجى الذى يستحل أموال قروض التعاونيات ويتحول إلى تاجر حقير لتسقيع الشقق.
لقد نجحت الهيئة فى احتواء آثار زلزال 1992 الذى ضرب مصر على غير موعد وها هى مساكن الزلزال فى عين حلوان ومساكن الزلزال بالمقطم شاهدة على أن هناك من الأمور ما يمكن اعتباره أمنًا قوميًا للبلاد تتجلى وظيفته عندما يتعرض الوطن للخطر.
السكن ليس رفاهية ولكنه ضرورة، والذين لا تنطبق عليهم شروط نماذج الإسكان المستجدة لهم الحق فى بوابة يلجأون إليها من أجل الستر واسم تلك البوابة هو هيئة التعاونيات.
وفكرة التعاونيات نجدها من الأفكار القليلة التى تجمع بين منهجية العلم والدراسة وبين المقاصد النبيلة الشريفة، لذاك يكون الأثر فى المجتمع المحلى أكثر من إيجابى، حيث تتحقق المساواة العادلة التى لا تتحقق الا من خلال الانضباط الصارم وتفعيل الرقابة المشددة من جهات مختلفة حتى يتحقق الهدف المنشود.
دور الهيئة وجمعياتها المنتشرة بمصر طولًا وعرضًا وتعد بالآلاف لا يقتصر على تدبير شقة محدودة المساحة لمواطن معدم، ولكن دورها يمتد إلى تقسيم الأراضى وترفيقها وتوزيعها وفق حجوزات مسبقة تسمى مدخرات الأعضاء، وتقسيم الأراضى يمكن اعتباره أفضل وعاء ادخارى للمستفيدين منه، لأنه يعمل على مساعدة الأب فى بناء سكن لأبنائه عند زواجهم فى نفس البيت.
التعاونيات بشكل عام سواء إسكانية أو تموينية أو زراعية هى شبكة عنقودية ضخمة تضع المواطن فى موضع المسئولية وتضع الدولة فى مكان المراقب الحازم، ولأننا فى أمس الحاجة إلى ربط الأفراد فى المجتمع بشبكة علاقات تحكمها المصالح المشتركة فلا نجد إلا التعاونيات كعنوان يمكنه إنجاز هذا الهدف فى هذه المرحلة التى تكريم بها البلاد.
وبطبيعة الحال لا يمكن وصف المجتمع التعاونى بأنه مجتمع ملائكى شفاف، بالطبع يبرز الفاسدون من بين طيات هذا المجتمع مستغلين ثغرة هنا أو هفوة هناك أو نفس مريضة لمراقب، ولذلك نرى أن دعم الجهات الرقابية بنصوص تشريعية جديدة يمكنها من إحكام السيطرة لتحقيق الهدف المرجو أمر بسيط وليس صعبًا على حكومة جديدة أعلنت منذ تشكيلها ارتباطها بأوجاع المواطن المصرى.
نكرر أننا نعلم بحزمة البرامج التى تقودها وزارة الإسكان فى سبيل الاستثمار الأمثل للأراضى وللمنشآت السكنية التى تشرف عليها ولكنها فى نفس الوقت أهدرت طاقة جبارة كانت تعمل منذ عشرات السنين اسمها التعاونيات، وهنا يحضر المثل المصرى الشهير بخصوص البرامج المتنوعة للوزارة وهو «من كتر خطابها بارت» والمعنى هو أن معظم الشقق التى تم توزيعها على النقابات المهنية لم يستفد منها سوى السماسرة الذين يرافقون الأعضاء وقت القرعة ويحصل العضو التافه الذى أصابته القرعة على أوفر مالى من السمسار ويتوكل على الله للبحث عن سبوبة أخرى.
لم تنشط سوق سماسرة العقارات فى مصر مثلما نشطت فى السنوات الأخيرة وما يصاحب ذلك من نهب منظم لمقدرات الدولة، وبالمناسبة السماسرة لا يعملون فى الخفاء ولكنهم فى مكاتب علنية غير مرخصة تعلوها لافتات واضحة، وصار للسمسار سكرتيرة، ربما يكون تنظيم ذلك هو دور من أدوار مباحث الأموال العامة أو ما شابه ولكن الحقيقة هى أننا نعيش فى سوق عقارية تحكمها الفوضى وتحتاج العودة إلى الأصول.