رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"بيع بالخسارة"..حيلة عمر الشريف لترك تجارة الأخشاب والاتجاه للتمثيل

الفنان عمر الشريف
الفنان عمر الشريف

تحل اليوم ذكرى رحيل الفنان المصري العالمي عمر الشريف، في 10 يوليو 2015، بعد ما قدم عدد من الأفلام المحفورة في وجدان المصريين مثل نهر الحب، صراع فى الوادى، الدكتور زيفاجو، حسن ومرقص، الأراجوز، إشاعة حب، وغيرها من الأعمال التى تعد من كلاسيكيات السينما المصرية.

لم يكن التحاق عمر الشريف بدراسة التمثيل أمرًا يسيرًا على أسرته، فقد ظل يعمل لسنوات بتجارة الأخشاب حتى أقنع والديه بأحلامه في عالم الفن.. فماذا فعل؟

ووفقًا لحوار سابق له مع الصحفية الفرنسية ماري تيريز جينشار، وثقه كتاب "وجوه عمر الشريف" للناقد محمود قاسم، كشف فيه الفنان العالمي عن جوانب مضيئة في حياته، ومنها رأي والديه بالعمل في مجال الفن والمسرح.

قال عمر الشريف عن بداية عمله في مجال تجارة الأخشاب: وفقًا للتقاليد والعُرف، الأبن يعمل في مهنة أبيه، خاصة إذا كانت المهنة مربحة، وكان أبي يريدني أن أحذُوَ حَذْوه.

وأكمل: كعادتي جعلت أمي الوسيطة في مثل هذه الأمور الحيوية والهامة، وقلت لها محاولًا انتقاء العبارة التي تجذبها إلى صفي "أمي أنا لا أشعر في نفسي ميلًا إلى مزاولة الأعمال التجارية، أريد أن أكمل دراستي في لندن"، وقالت أمي، التي انحازت إلى جانبي، كعادتها، ودون مجهودٍ كبير: سوف أفاتح أباك في الأمر وأقنعه. ولكن ماذا تريد أن تدرس في لندن؟

المسرح.. الرصاصة التي انطلقت من شفتي عمر الشريف لوالديه

وتوقّعت الأم، أن يقول لها عمر الشريف، أنه يريد أن يدرس في لندن الكيمياء، أو الطبيعة، على أساس أني موهوب في الحساب والرياضيات، ولكن رده كان "المسرح".!

ويصف عمر الشريف، رد فعل والدته: "كأنها رصاصة انطلقَت من شفتي"! مضيفًا: أمي نظَرَت إليَّ طويلًا، وبدا في عينيها اليأس فجأة، قالت لي صراحة إنها لا تمانع في أن أحترف التمثيل، ولا ترى عيبًا في الممثل، إلا أنها أضافت: لا أستطيع أن أقنع أباك بأن يوافق على أن يصبح ابنه الوحيد "مهرجًا متجولًا"!

وتابع عمر الشريف: هكذا وصفَت أمي التمثيل، ولعلها التقطَت الوصف من حوارٍ سابق مع أبي في نفس الموضوع!.. انسحبَت أمي بانتظام. وحيث تفشل أمي، لا يستطيع أحد أن ينجح، مع أبي!

ذكريات عمر الشريف في تجارة الأخشاب

بدأ عمر الشريف بتجارة الأخشاب مع والده، الذي علمه درس طويلا ومبسطا، حاول أن يفسر له الفوارق بين أنواع الخشب ، وأن يعود عينيه على قياس الألواح مبدئيا، كما قدمه لعملائه، وقال أبيه شارحًا له أساس التجارة: "أن تبيع بأحد عشر قرشًا ما تشتريه بعشرة".

ويحكي عمر الشريف: أقول الحق أني لم أجد متعة في ممارسة ذلك العمل الذي لا يناسب استعدادي الطبيعي، وإن كان غيري يسعد بممارسته، وهنا أعترف بأني صدمت نوعًا ما في أبي، كيف يقبل، هو الرجل المتدين، أن يخدع الناس؟ اتهمتُه بيني وبين نفسي في نزاهته، بالرغم من أن هذه هي قواعد التجارة المعروفة في العالم أجمع.

وأضاف: عبثًا حاول أبي إقناعي بأن ربح التجارة حلال، وأنه لولا هذا الربح لما استمر متجرٌ واحد مفتوح الأبواب، ولكن كل شيء بدا لعيني غير قانوني وغير أخلاقي، أو لعلني بالغت في تصوير الموقف وجسمتُه، حتى أوفر لنفسي المبرر الكلي للانسحاب.

الفنان عمر الشريف

حيلة عمر الشريف لترك عمله بتجارة الأخشاب

خلال حواره مع الصحفية الفرنسية، قال الشريف: كي أقنع أبي بأني لم أخلق للتجارة، كان عليَّ أن أبدأ عملي بالبيع بالخسارة، وكان الأمر بسيطًا للغاية، القاعدة قلبتها وعكستها، ما كنت أشتريه بعشرة قروش كنت أبيعه بتسعة، تارة متعللًا بأن العميل شكا من مرض زوجته المُكلف، وتارةً أخرى معتذرًا بأن له ابنةً عاجزة، أو حماةً مقعدة!

وأضاف: أمي كانت تصيح بي "حذارِ؛ فهم يخدعونك بقصصٍ وهمية"، وكنتُ أتكتمها في أعماقي، ولا أقول لها: إنما أنا هو الذي يَخدَع!

وتابع: لم أكتفِ بهذا بل كنت أبيع للمحتاج بالأجل، أو بالدين، وحاولت أن أبرّر موقفي لأبي فقلت له إن الأغنياء من التجار لا يحتاجون البيع الآجل، بل هو ضرورة للفقراء، واستمرت المهزلة عامين، ولعل ظروف ثورة جمال عبد الناصر جاءت العامل المساعد لأن يقول لي أبي، تلك العبارة التي توقعت أن يتفوَّه بها مرارًا: حسنًا.. افعل ما شئت!

وهنا كانت سعادة عمر الشريف، متذكرًا: فعلت ما شئت، وما شاءت الأقدار، ونجحت، والدليل وقفة أبي نفسه، الذي كان يصف الفنان بأنه "مهرج متجول"، وقف تحت المطر يوميا، وفي طابور طويل، لشراء تذكرة لفيلمي العالمي الأول "لورانس العرب".