رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين مفاتيح الماضي والمستقبل: حكاية النزوح والأمل في غزة

غزة
غزة

في ظل غبار الحرب ونيرانها، تحتفظ العائلات الفلسطينية بمفاتيح منازلها كرمز للأمل والعودة، هذه المفاتيح ليست مجرد قطع معدنية، بل هي حكايات تحكي عن الماضي وتتمسك بالمستقبل، في قطاع غزة، قصة حسن نوفل وعائلته تعكس معاناة آلاف العائلات التي تهيم بين النزوح والأمل.

عقود من التهجير

يحمل حسن نوفل على سلسلة مفاتيحه مفتاحين، أحدهما يعود لمنزل أجداده في جنوب إسرائيل الحالي، حيث طُردت عائلته في عام 1948، والآخر لمنزله في شمال غزة الذي اضطر إلى الفرار منه العام الماضي نتيجة للهجمات الإسرائيلية.

على مدار تسعة أشهر، تنقل نوفل وعائلته بين أماكن مختلفة في قطاع غزة أربع مرات، هربًا من القصف، يقول نوفل بحزم: "إذا أصبح مفتاح بيتي مجرد ذكرى في حياتي، فأنا لا أريد أن أعيش بعد الآن، يجب أن أعود إلى بيتي... أريد البقاء في غزة والاستقرار في غزة مع أطفالي في منزلنا"، بحسب وكالة اسوشيتد برس الأمريكية.

وفي خضم هذا النزوح المستمر، أعلنت إسرائيل أن الفلسطينيين سيُسمح لهم بالعودة إلى منازلهم في غزة، لكن توقيت ذلك ما زال غامضًا.

فقد تعرضت العديد من المنازل للتدمير أو لأضرار جسيمة، مما يزيد من صعوبة العودة، الهجوم الإسرائيلي على غزة، تسبب في نزوح نحو 1.9 مليون فلسطيني من أصل 2.3 مليون نسمة كانوا يسكنون القطاع قبل الحرب، اضطر معظمهم إلى النزوح مرارًا، باحثين عن ملاذ آمن بعيدًا عن سلسلة الهجمات البرية.

في كل مرة، كان الانتقال يعني الانتقال إلى مأوى جديد، سواء كان منزل قريب، أو مدرسة تابعة للأمم المتحدة، أو مخيمات مؤقتة. خلال هذه الرحلات، كافحت العائلات للبقاء معًا والاحتفاظ بما تبقى من ممتلكاتهم. في كل موقع جديد، كان عليهم البحث عن مصادر جديدة للطعام والماء والرعاية الطبية.

منطقة آمنة بلا حصانة

في موجة النزوح الأخيرة، فر الناس من الأحياء الشرقية لمدينة خان يونس الجنوبية وأجزاء من مدينة غزة في الشمال بعد أن أمرت إسرائيل بإخلاء المنطقة. 

لآن، تكدس معظم سكان غزة في "منطقة آمنة إنسانية" أعلنتها إسرائيل، تغطي مساحة حوالي 60 كيلومترًا مربعًا على ساحل البحر الأبيض المتوسط، في منطقة ريفية قاحلة تسمى المواصي.

ورغم اسمها، فقد نفذت إسرائيل غارات جوية مميتة في "المنطقة الآمنة"، الظروف في المخيمات التي أقامها النازحون بائسة، حيث تتكون من خيام مهترئة من الأغطية البلاستيكية والبطانيات المدعومة بالعصي.

في غياب أنظمة الصرف الصحي، تعيش الأسر بجوار برك مفتوحة من مياه الصرف الصحي، مع فرص ضئيلة للحصول على مياه الشرب أو المساعدات الإنسانية.

يقول حسن نوفل، موظف في السلطة الفلسطينية يبلغ من العمر 53 عامًا، إنه وزوجته وأطفاله الستة فروا من منزلهم في مخيم جباليا للاجئين في شمال القطاع في أكتوبر. في البداية، توجهوا إلى مدينة دير البلح، ثم إلى مدينة رفح في أقصى جنوب القطاع. اضطروا إلى الفرار مرة أخرى في مايو إلى خان يونس، ومن هناك إلى خيمة في المواصي.

يقول نوفل: "بعد انتقالنا إلى مكان جديد، أصبح من الصعب التعامل مع الحشرات والعيش على أرض رملية، نصاب بالأمراض لأن الطقس يصبح حارًا أثناء النهار وباردًا قليلًا في الليل".

ومع ذلك، كانت الخطوة الأولى، مغادرة منزله في جباليا، هي الأصعب. فقد حمل سلسلة مفاتيحه التي تحمل مفتاحي منزله ومنزل أجداده في قرية الحليقات الفلسطينية، التي لم يتبق منها شيء بعد الهجوم الإسرائيلي في 1948.

كنوزًا ثمينة

مثل هذه المفاتيح القديمة تعتبر كنوزًا ثمينة لأحفاد الفلسطينيين الذين طردوا أو فروا أثناء الصراع الذي أحاط بإنشاء إسرائيل، يخشى كثيرون في غزة ألا يُسمح لهم بالعودة إلى ديارهم بعد هذه الحرب، كما حدث في تلك الحرب الماضية.

علا نصار أيضًا تحتفظ بمفاتيح منزلها في بيت لاهيا شمال غزة، بالنسبة لها، المفاتيح ترمز إلى "الأمان والاستقرار والحرية. إنها بمثابة هويتي". 

كانت أسرتها قد انتقلت للتو إلى منزلها المجدد حديثًا عندما بدأت الحرب، الآن، تقول نصّار، فقدت مطبخي الحديث الذي حلمت به كثيرًا، وتعرضت الملابس والديكورات للحرق أثناء الغارات الجوية، بعد سنوات من الادخار لتحقيق حلمي في تأسيس منزل لي ولأسرتي.

في النهاية، تظل مفاتيح المنازل في غزة رمزًا للأمل والتشبث بالجذور، تعكس رغبة العائلات الفلسطينية في العودة إلى منازلهم واستعادة حياتهم التي مزقتها الحروب والنزوح. إنها حكايات عن قوة الإرادة والصمود في وجه أصعب الظروف، وإصرار على أن تكون هذه المفاتيح يوما ما بابًا للعودة والاستقرار.