السودان بين الفراغ السياسي واستمرار انقسامات الفصائل المسحلة
منذ إقالة حكومة عبد الله حمدوك الثانية في أكتوبر 2021، يعاني السودان من فراغ حكومي مستمر، وفي بداية عام 2024، بدأت ترد أنباء من مصادر سودانية عن قرار محتمل من رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بتعيين مالك عقار كرئيس للوزراء، وتشكيل الجمعية التأسيسية الوطنية (البرلمان) من الكيانات والشخصيات المدعومة للقوات المسلحة.
هذا الإجراء المحتمل أثار مخاوف داخلية ودولية بسبب عدم التوافق مع القوى السياسية الأخرى، خاصة في ظل الرغبة في إعادة تشكيل الحكومة دون موافقة شاملة.
عودة القوى المدنية للعب دور سياسي نشط
في يوليو 2023، استضافت القاهرة اجتماعًا لتوحيد قوى الحرية والتغيير، بهدف استعادة التماسك، تم التأكيد خلال الاجتماع على فتح الباب أمام كافة القوى المدنية لإعادة توحيد الصفوف.
وفي أكتوبر، اجتمعت قوى الحرية والتغيير مرة أخرى في أديس أبابا بمشاركة عبد الله حمدوك لتشكيل "تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية - تقدم". تم التأكيد في وثيقة بندية على أهمية الإصلاحات الأمنية والعدالة الانتقالية وإعادة بناء الهياكل الحكومية، بالإضافة إلى صياغة دستور دائم وبرنامج اقتصادي لإعادة الإعمار، وقضايا الولايات والحكم المحلي.
منذ فبراير 2024، بدأت ورش عمل متفق عليها في نيروبي وكمبالا قبل أن تستقر التنسيقية في أديس أبابا، حيث عقدت مؤتمرها التأسيسي في 26 مايو 2024 برئاسة عبد الله حمدوك، بمشاركة واسعة من الشخصيات السياسية السودانية، ممثلة لتيارات حزبية ومدنية مختلفة.
اتساع دائرة الانقسامات داخل الفصائل المسلحة في دارفور
الانشقاقات الداخلية التي تعرضت لها فصائل دارفور المسلحة أصبحت مصدرًا رئيسيًا لإضعافها بشكل كبير. الفصائل الأكبر عددًا والتي تدعم القوات المسلحة بدأت في تشكيل وحدات أهلية للدفاع الذاتي، بينما قامت الفصائل الأقل عددًا والتي توالي الدعم السريع بتشكيل وحدات أهلية منفصلة. هذا يشير إلى احتمالية ظهور خطوط جديدة للانقسام داخل دارفور بين الفصائل المسلحة.
حتى جبهة الدعم السريع لم تكن استثناءً، حيث ظهرت تفاهمات بينها وبين مجلس الصحوة الثوري بقيادة موسى هلال، وهو ما يهدف إلى تجنب انشطار المكون العربي في دارفور إلى قسمين. هذه التفاهمات تعزز من فرص الفصائل المسلحة التابعة للقبائل الأفريقية مثل الفور والزغاوة، خاصة مع التقارب الذي يظهر بينها وبين القوات المسلحة.
رغم أن التفاهمات بين قوات الدعم السريع ومجلس الصحوة الثوري أسفرت عن نتائج إيجابية إجمالًا، إلا أن تمكين موسى هلال من الاحتفاظ بمعسكرات قواته في دارفور يعكس تراجعًا في موقف قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو والقيادات الميدانية للدعم السريع. هذا يشير إلى توازن جديد في القوى داخل دارفور، حيث لا يزال حميدتي هو القوة الرئيسية في المنطقة حتى في مناطق السيطرة الخاصة به.
تصريحات موسى هلال في نهاية أبريل أضافت ضغطًا إضافيًا على الدعم السريع بعد تأييده للقوات المسلحة السودانية، مما يعزز من تعقيد المشهد السياسي والعسكري في دارفور.
تعقد الوضع العسكري في الخرطوم ودارفور
تشكل منطقني العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور على اتساعه ساحتين معقدتين للصراع. فعلى الرغم من الانتصارات التي حققتها القوات المسلحة في منطقة أم درمان مؤخرًا، تظل قوات الدعم السريع تحتفظ بالعديد من مواقعها في العاصمة السودانية ما يجعل من المتعذر القول بإمكانية أن تسفر العمليات العسكرية الجارية بتطهير العاصمة قريبًا من قوات الدعم السريع.
وفي إقليم دارفور تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على ولايات جنوب وغرب وشرق ووسط دارفور وهو ما سمح لها بالتحرك شرقًا باتجاه ولاية غرب كردفان، إلا أن تحصن القوات المسلحة والفصائل المسلحة الخليفة في مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور حال دون إحكام سيطرة الدعم السريع على كافة ولايات الإقليم، وفي الوقت الراهن تدور مناوشات في محيط الفاشر يصاحبها قصف مدفعي متبادل، لكن من دونأفق واضح لتمكن قوات الدعم السريع من اقتحام المدينة.
توسع الدعم السريع على المحور الجنوبي الشرقي بعد دخول ولاية سنار
منذ أن سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة في ديسمبر 2023 يشهد المحور الجنوبي جمودًا ميدانيًا بفعل الكثافة السكانية التي تعيق قوات الدعم السريع عن تحقيق سيطرة فعالة على الرغم من انسحاب القوات المسلحة، ما يضع قوات الدعم السريع في مواجهة مستمرة مع الأهالي في القرى النيلية والتي تتسم بكثافة سكانية طبيعية أضيف إليها الآلاف من النازحين، وهو ما تسبب مؤخرًا في وقوع مديحة على يد قوات الدعم السريع.