رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كوكب الفرن.. كيف يعيش العالم فى درجة حرارة تتخطى الـ50 درجة مئوية؟

طقس حار
طقس حار

فى مشهد يبدو أنه من رواية خيال علمى، يسير الناس اليوم فى شوارع تتصاعد منها الأبخرة، وكأن الأرض تغلى تحت أقدامهم، تحت وطأة هواء ثقيل يكاد يخنق الأنفاس، وأشعة شمس تسلط سياطها النارية على كل ما تطاله، بعد أن تجاوزت درجات الحرارة حاجز الـ٥٠ درجة مئوية، مسجلة أرقامًا قياسية تفوق التوقعات وأعلى من أى معدلات مسجلة تاريخية.

فى السطور التالية، تأخذكم «الدستور» فى رحلة إلى قلب بعض المناطق التى أصبحت منكوبة بارتفاع الحرارة، للتعرف على كيفية حياة سكان هذه المناطق، فى ظل واقع جديد يبدو أقرب إلى الكابوس، مع استعراض التدابير التى اتخذتها بعض الحكومات لحماية مواطنيها من هذه الأزمة غير المسبوقة، التى لم تعرف البشرية مثيلًا لها من قبل.

خبراء بيئة: الحل فى التشجير وزيادة الرقعة الخضراء.. والاهتمام بالمرضى وكبار السن «ضرورة» 

حذر الدكتور عاطف محمد كامل، خبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة، من أن ارتفاع درجات الحرارة نتيجة التغيرات المناخية قد يؤثر على صحة الإنسان، خاصة مع توقعات بوصول درجات الحرارة فى معظم مناطق العالم إلى ما يزيد على ٤٠ إلى ٤٥ درجة مئوية.

وأضاف «كامل»: «فى الطقس الحار بشكل غير عادى يُطلب من الناس مراقبة الفئات الأكثر ضعفًا عن كثب، مثل كبار السن، الذين هم أكثر عُرضة لخطر الإنهاك الحرارى».

وواصل: «أجسامنا تسعى جاهدة للحفاظ على درجة حرارتها عند نحو ٣٧.٥ درجة مئوية، سواء كنا فى مناخ عادى أو موجة حارة، لأن هذه هى درجة الحرارة التى تطورت أجسامنا للعمل بها، لكن مع ارتفاع درجة حرارة الطقس يتعين على الجسم أن يعمل بجهد أكبر للحفاظ على حرارته الأساسية منخفضة، فيفتح المزيد من الأوعية الدموية بالقرب من الجلد للتخلص من الحرارة ويبدأ التعرق، وعندما يتبخر العرق؛ فإنه يزيد بشكل كبير من الحرارة المفقودة من الجلد».

وكشف عن أن هناك عددًا من الدول التى ترتفع فيها درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة، مثل دول الخليج وبعض الدول الأوروبية، التى تتعرض لموجات جفاف، وهذه الدول تلجأ إلى حلول لخفض درجات الحرارة فى المدن والشوارع، منها التظليل، وزيادة الرقعة الخضراء، وزراعة مزيد من الأشجار والنباتات، وهناك دول أخرى اتخذت قرارًا بطلاء المبانى والشوارع باللون الأبيض لخفض حرارتها فى مواجهة التغيرات المناخية، وهى حلول فعالة وغير مكلفة.

ونبه إلى أن معدلات الوفيات ترتفع كثيرًا بمجرد تجاوز درجة الحرارة ٤٠ درجة مئوية، خاصة لدى المرضى وكبار السن، وهو أمر يحدث عالميًا وبسرعة كبيرة مع الأيام الأولى من بدء موجات الحر. وتابع: «أغلب الوفيات الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة يكون فى الربيع أو أوائل الصيف، ولكن ليس فى ذروة الصيف»، مرجعًا ذلك إلى تغير السلوك اليومى مع تقدم فصل الصيف والتعود على التعامل مع الحرارة المرتفعة. وحذر عماد سعد، خبير البيئة والتغير المناخى، من أن كوكب الأرض «يغلى»، مشيرًا إلى تسجيل شهر مايو الماضى أعلى درجات حرارة مسجلة فى التاريخ، مع تجاوز متوسط الحرارة العالمى المعدلات المقبولة بأكثر من درجة ونصف الدرجة. وقال «سعد»: «النشاط البشرى والانبعاثات الغازية متهمان بأنهما أكبر مسببين رئيسيين لهذه الأزمة، وهو ما يجعلنا نرى الصيف يأتى مبكرًا والشتاء يتأخر، لذا نحتاج فى مواجهة هذا التهديد إلى إجراءات فورية، من خلال التكيف مع المناخ المتغير، وتخفيض الانبعاثات بشكل جذرى».

طبيب ينصح بتجنب التعرض المباشر للشمس والإكثار من شرب السوائل

حول تأثير الظاهرة على الإنسان، قال الدكتور محمد المنيسى، أستاذ الجهاز الهضمى والكبد بكلية طب قصر العينى، إن ارتفاع درجات الحرارة بمعدلات غير مسبوقة، مثلما يشهده معظم دول العالم الآن، قد يعرض صحة الإنسان إلى الخطر، بسبب الإصابة بالإجهاد الحرارى وضربات الشمس. وأوضح «المنيسى» أن جسم الإنسان، ورغم ارتفاع درجات الحرارة، يحاول دائمًا الاحتفاظ بدرجة حرارة معينة من خلال التعرق، ناصحًا بالحفاظ على تناول السوائل وشرب المياه بقدر مناسب، مع الالتزام بالبقاء فى المناطق المظللة، بعيدًا عن التعرض لأشعة الشمس المباشرة، أو البقاء فى أماكن سيئة التهوية.

سكان مناطق حارة: لا خروج فى النهار.. ونعانى من زيادة انقطاع الكهرباء

حول الحياة فى المناطق الأكثر حرارة فى العالم، قالت أميرة خالد، مصرية تعيش فى السعودية، إنها تشهد على تحول المملكة إلى «فرن هائل»، منذ حطت رحالها هناك فى عام ٢٠١٩، مشيرة إلى أنها لم تكن تتخيل أبدًا أن حرارة الجو يمكن أن تصل إلى هذا الحد.

وأضافت «أميرة»: «لم يعد هناك فرق فى الحرارة بين الصباح والمساء، حتى المدن الساحلية التى كانت تتنفس نسيم البحر أصبحت تختنق برطوبة لم نعهدها من قبل»، مؤكدة أنها تتعامل مع الأمر بكثير من التخطيط، إذ تحاول النزول إلى الشوارع قبل الثامنة صباحًا، ولا تجرؤ على العودة إليها إلا بعد الخامسة مساءً، وكأنها فى معركة يومية مع الشمس.

وواصلت: «نحيا كأننا فى أحد أفلام الخيال العلمى، وأجد نفسى محاطة برسائل تحذير مستمرة تصل إلى هاتفى، كأنها نظام إنذار مبكر، لأن الدولة تحاول حماية مواطنيها وسكانها من هذا العدو الحرارى الذى يتربص بنا».

وأكملت: «من الظهيرة حتى العصر تتحول المدينة التى أحيا بها إلى مدينة أشباح، فالمحلات مغلقة، والمصالح الحكومية متوقفة، كأن الحياة نفسها تتوقف لتتجنب غضب الشمس».

ومن الكويت، قال المهندس أحمد عمارة، خبير بترول انتقل للعمل فى الدولة الخليجية منذ ١١ عامًا: «كانت بداية الصيف كأنها صفعة من نار، فقد هبط الوحش على أرجاء البلاد وتخطت الحرارة الستين درجة أحيانًا بشكل مفاجئ».

وأضاف «عمارة»: «الشتاء أصبح أقصر، وبدأ يبدو كأنه نزهة لطيفة تتراوح فيها درجة الحرارة بين ١٥ و٢٢ درجة، أما الصيف فقد تأخر قليلًا فى الوصول هذا العام، لكنه لم يفقد شراسته، فدرجات الحرارة تصل إلى ٦٠ تحت الشمس، وتتجاوز فى بعض المناطق درجة ٥٤ فى الظل».

ومن العراق، قال الصحفى العراقى محمد تضامن: «لقد تجاوزنا الخمسين درجة، ونحن على بُعد خطوة واحدة من الغليان»، مضيفًا: «كنا نعتقد أن الوصول لدرجة حرارة ٤٠ هو أقصى ما يمكن تحمله، لكن يبدو أن الطبيعة قررت اختبار حدود صبرنا».

وواصل الصحفى العراقى: «فى هذا المشهد الحرارى القاسى، تبرز مأساة أخرى تزيد الطين بلة، هى الكهرباء التى تختفى فى اللحظات التى نحتاجها فيها أكثر، كأنها تهرب من الحرارة مثلنا تمامًا، ورغم أن الدولة أنفقت مليارات الدولارات لحل هذه الأزمة، فإنها لا تزال مستمرة حتى اليوم، دون أى تقدم».

وعن كيفية مواجهة هذا الواقع القاسى، قال «تضامن»: «أصبحنا لا نخرج من المنازل إلا عند الضرورة القصوى فقط، وأحيانًا، نهرب إلى شمال العراق، لأن الحرارة تكون أقل إلى حد ما، وأرى أن أصحاب المحلات الصغيرة والبائعين والعمال فى الشوارع هم الأبطال الحقيقيون، لأنهم يواجهون الحرارة وجهًا لوجه يوميًا، من أجل لقمة العيش».

دول العالم تلجأ إلى المظلات وطلاء الشوارع باللون الأبيض

تصل درجة الحرارة فى مدينة إشبيلية الإسبانية إلى ٤٠ درجة مئوية بانتظام فى أشهر الصيف، ومن أجل مواجهة ذلك، توسعت السلطات المحلية فى تركيب المظلات بجميع شوارع وأنحاء المدينة، إلى جانب زراعة ٥٠٠٠ شجرة سنويًا، والتحول إلى مواد البناء التى تعكس الحرارة، والتوسع فى تركيب النوافير العامة، وفقًا لتقرير نشرته وكالة «بلومبرج». وفى العاصمة الأسترالية سيدنى تغطى الأشجار نحو ٣.٢ مليون فدان حول المدينة، مع تخطيط السلطات لزيادة مظلة الأشجار عن طريق زراعة ٥ ملايين شجرة أخرى بحلول ٢٠٣٠، على ضوء دورها فى تبريد المدن، من خلال توفير الظل والرطوبة، وامتصاص وتخزين ثانى أكسيد الكربون، ما يساعد فى مكافحة تغير المناخ. وفى الولايات المتحدة، بدأت سلطات لوس أنجلوس تجربة طلاء الشوارع باللون الأبيض، فى عام ٢٠١٩، بهدف عكس أشعة الشمس إلى الفضاء، ما يؤدى إلى تبريد المنطقة المحيطة. وجرى طلاء عدة شوارع بالفعل، إذ يعمل الطلاء الأبيض على تبريد سطح الطريق والمنطقة المحيطة به.