رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التفاصيل الكاملة للقاء سعيد الكفراوى بالشاعر محمد مطر

محمد عفيفي مطر
محمد عفيفي مطر

تمر اليوم الذكرى الـ 14 لرحيل الشاعر الكبير محمد عفيفي مطر، والذي  رحل في مثل هذا اليوم الموافق 28 يونيو 2010،  ويعد أحد أبرز  شعراء جيل الستينيات، وأحد أبرز صناع  الحداثة الشعرية الجديدة، وأحد إيقونات الشعر العربي.

جمعت الشاعر الراحل عفيفي مطر صداقات ممتدة من المحيط  للخيلج لكتاب وشعراء يعرفون تمامًا قيمة وقدره من جيله ومن الأجيال التالية، ربطته صداقة وعلاقة خاصة بالكاتب القاص الراحل سعيد الكفراوي  الذي كشف تفاصيل لقاء جمعة مع الشاعر محمد عفيفي مطر بين حيطان المعتقل في التقرير التالي  التفاصيل:

قال الكاتب القاص الكبير سعيد الكفراوي، عبر مقال له نشر بمجلة الفيصل يروى تفاصيل لقاءه بعفيفي مطر، اللقاء الذي لم  يكن الأول ولكن كان بمثابة  الأول والأخير بين  حيطان المعتقل، كان ذلك  في بدايات الألفية الثالثة، قال: أتذكر حين أعتداء امريكا على العراق في عام 2003م، حين انحاز الشاعر للشعب العراقي مدفوعًا بولائه العربي، ومناصرته لحق العراق في الحرية والاستقلال، واندفع صوته الرافض يعلو في الشارع والمقهي ووسط تجمعات المثقفين، وكان يردد أشعاره في الندوة، وكنت أسمعه فأشفق عليه بسبب من الحضور الكثيف لأمن الدولة.

كان  يردد أبياته: ناديت لو أسمعت أو بلغت.. ما كان امتداد النهر في طين الظلام.. مهرة الأرغول مشدود اللجام.

وكان المغني في انفضاض العرس.. والسمار  يشكي عشقه عامًا فعام.. خفتُ عليه تلك الأيام العاصفة.

سافر وغاب، وحين قلقنا عليه استفسرنا عن أحواله.

وتابع الكفراوي: "فجاءت الأخبار: عفيفي اعتقل، أخذوه بليل من القرية إلى مبنى مباحث أمن الدولة بالقاهرة، كانت ردود الأفعال غاضبة خصوصًا بين جيله الذي يمثل الوثبة المضادة في الثقافة المصرية، باشرنا فضح الأمر؛ بيانات ضد اعتقال الشعراء، ومقالات في الصحف الخارجية، وجهزنا مادة لعدد من مجلة الناقد اللبنانية أثناء بحثي. أين استقرت الأحوال بمحمد عفيفي مطر، وفي أي السجون يكون؟

وأشار كفراوي: "أخبرني صديق من العارفين بمجريات الأمور أن (مطر) الآن نقلوه من أمن الدولة إلى معتقل طرة الرهيب، في الضحى، توكلت وذهبت، وسجن طرة من القلاع الغابرة تحوطه الأسوار، ويزدحم بالأسرار وما يجري داخله يثير الريبة، وصلت أمام البوابه العتيقة.،  صباح معتم، وغبرة الصحراء تخنق الشمس، والزوار بجوار الأسوار ينكمشون، وأنت وحدك تتأمل المشهد كأنك في زمن آخر فيما يجلس البشر كأسرى الحروب.

اقتربت من حارس البوابة الذي بادرني بالسؤال: فيه حاجة يا أستاذ؟ أنا جاي أزور معتقل.. معك تصريح؟أخرجت بطاقة عضوية اتحاد الكتاب وأعطيتها له.. تأملها ونظر ناحيتي بنظرة مستريبة ـ وقال لي:

لحظة، ودخل من البوابة إلى داخل السجن، انقضى وقت وعاد وطلب مني أن أتبعه: المأمور عاوزك.

أخذت وسط هذا المشهد الذي لا تعرف حساباته، ومأمور السجن أكبر رأس يستدعيك، حين وصلت كانت البطاقة لا تزال في يده.

سألني المأمور: الأخ صحفي؟ أنا عضو اتحاد الكتاب المصريين، وجاي تزور الجدع عفيفي مطر؟ لو سمحت سيادتك، هرش ذقنه، ورفع الكاب عن رأسه ثم قال لي: لكن الجدع ده مصيبة كبيرة، ثم ابتسم، وقال على أية حال .. ونادى على الجندي الواقف على الباب.. هات عفيفي مطر.

وجلست أنتظر تناوشني المخاوف، مر وقت قصير ورأيت «محمد عفيفي مطر» أمامي، روعت بما أرى وزلزلني المشهد، وخفت أن أصرخ، كان يتلفع بتلفيعه ريفية ويرتدي ثوبًا قاتمًا، وكانت عيناه تهرب من عيني وعلى وجهه حزن متألم يعكس معاناة بلا حدود، كان وجلًا وحزينًا كأنه قادم من مشوار بعيد، يلهث ويريد أن يختفي من أمامي.

 شعرت به كمن تصعب عليه نفسه، وأنا روعت وكاد يغمى عليَّ حين رأيت جرحًا غائرًا شريرًا يمتد من منتصف الجبهة حتى أسفل الأنف، جرحًا لا يزال طريًّا، قانيًا، تطل منه كل شياطين العالم، لم يتكلم ولم أتكلم، وبادرني المأمور بغلاظة:

عفيفي أهه شفته؟ ثم أشار للجندي أن يأخذه، وأنا قلت في نفسي: لقد عذبوه.. يا للعار!!!

وختم سعيد الكفراوي حديثه " قبل أن يرحل عن الدنيا قال في تلويحة وداع: «في تلويحة الوداع أقول حياتي مغسولة بعرقي، ولقمتي من عصارة كدحي، وكرم استحقاقي، لم أغلق بابًا في وجه أحد، ولم أختطف شيئًا من يد أحد، ولم أكن عونًا على أذى أو ظلم أو عدوان؛ اللهم فاشهد»