سيناريو الرعب.. كيف تفكر إسرائيل فى التعامل مع «حزب الله»؟
الحدود الإسرائيلية اللبنانية فوق فوهة بركان، وخطر الحرب الواسعة والمتعددة الجبهات يتصاعد، ورغم أن إسرائيل لا تزال غارقة فى وحل غزة، تتزايد احتمالات بدء حرب مع «حزب الله» اللبنانى الآن أكثر من أى وقت مضى.
وسابقًا، كان الرأى السائد فى إسرائيل هو الحفاظ على التصعيد المحدود دون الانزلاق لحرب شاملة مع لبنان، على افتراض أن «حزب الله» غير معنى بتصعيد كبير، وأن هجماته كانت فقط للضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار فى غزة. لكن الأمور تغيرت الآن، وأصبح الجميع يستعدون لحرب شاملة.
لذا وضعت إسرائيل عدة بدائل للاختيار من بينها، وتحديد استراتيجيتها للتعامل مع «حزب الله» فى الفترة المقبلة، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.
خوض حرب شاملة فى لبنان والتخلى عن خطة انتظار القضاء على «حماس»
ألقى الأمين العام لـ«حزب الله» اللبنانى، حسن نصرالله، خطابًا يعد الأعنف منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أصرّ فيه على التمسك بنظريته حول أن الحزب يساعد فى الحرب الحالية.
وقال «نصرالله»: «حماس تقود المعركة، بينما يهاجم حزب الله فى الشمال، ويجذب قوات كبيرة من الجيش الإسرائيلى إلى هناك». كما هدد أيضًا بمهاجمة قبرص، التى تنوى سلطاتها السماح لسلاح الجو الإسرائيلى بشنّ هجمات من أراضيها، إذا ما اندلعت حرب كبيرة.
الأهم فى الخطاب هو ما اختبأ بين السطور، وهو شكوك «نصرالله» فى أن إسرائيل تنوى شنّ حرب شاملة، وأنه كما يبدو يعدّ حزبه لمواجهة مثل هذا الاحتمال.
وخلال الأسبوع الماضى، أجرى موفد الرئيس الأمريكى، عاموس هوكشتاين، جولة حوارات بين بيروت وتل أبيب. وقيل إنه نقل رسائل تهديد من إسرائيل إلى لبنان. فيما ردّ «حزب الله» بنشر فيديو التقطته مُسيّرة لمرفأ حيفا، تظهر فيه سفن سلاح البحر الإسرائيلى راسية فى قاعدة سلاح البحر كعادتها، كما لو أنه لا يوجد خطر حدوث هجوم من الشمال.
وفى الأسابيع الأخيرة، ازدادت الأصوات الإسرائيلية الداعية إلى توسيع المعركة فى الشمال، مع تزايد القبول لدى الجمهور الإسرائيلى لفكرة أنه من دون حرب واسعة لا يمكن تحقيق الاستقرار والأمن على الحدود مع لبنان، وأن على إسرائيل الاستعداد لحرب شاملة، وأن إصرار «نصرالله» على الاستمرار فى الهجمات بالصورة الحالية يمكن أن يؤدى إلى حرب واسعة النطاق لا يرغب فيها.
وسابقًا، كانت وجهة النظر الإسرائيلية الاستراتيجية حيال الجبهة الشمالية تقوم على ضرورة هزيمة «حماس» عسكريًا ومدنيًا فى قطاع غزة، وبعدها يتم ردع «حزب الله» أيضًا، بحيث يتم إجباره على قبول تسوية سياسية تُبعِد «قوات الرضوان»، التابعة للحزب، وأيضًا صواريخه المضادة للدروع، عن الحدود الإسرائيلية، إلى حدود نهر «الليطانى» تقريبًا، وهى مسافة تبلغ نحو ١٠ كيلومترات، حسبما ذكر المحلل العسكرى روى بن يشاى، فى مقاله بجريدة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية.
وعلى مدار الأشهر الماضية، خاصة منذ الهجوم الإيرانى على إسرائيل، فى أبريل الماضى، تحولت الحرب من حدث فلسطينى إسرائيلى شديد العنف إلى حدث قد يؤدى إلى حرب إقليمية كاملة، ستصبح نتائجها شديدة الأهمية من ناحية استراتيجية أمنية، وربما وجودية أيضًا بالنسبة إلى إسرائيل.
وبعدها، أصبحت إسرائيل ترى أن «حزب الله» يشكّل رأس الحربة الإيرانية، وأنه التهديد الرئيسى الذى يتعين عليها إزالته بصورة عاجلة، ليس فقط لأنه تمكّن من إخلاء منطقة شمال الجليل من سكانها، بل أيضًا لأنه تسبب فى إجلاء ٥٠ ألف إسرائيلى لم يعودوا قادرين على العودة إلى منازلهم.
ومن الناحية العسكرية، بات الجيش الإسرائيلى قريبًا من تركيع قوة «حماس» العسكرية، وتقويض قدراتها المدنية بصورة كبيرة، عبر اجتياح قطاع غزة، إلى جانب عمله فى الضفة الغربية بواسطة النشاط العنيف لمنع قيام انتفاضة جديدة.
لكنه لا يزال يخفق فى الجبهة الشمالية فى تحقيق أى هدف استراتيجى مهم، فضلًا عن تحقيق هدف يدفع «حزب الله» إلى طلب وقف إطلاق النار، بعد أن ثبت أن مظاهر الدمار والخراب فى قطاع غزة لا تردع الحزب اللبنانى، الذى يصعّد من رده النارى على كل ضربة مؤلمة توجهها إسرائيل إليه.
القبول بالتسوية السياسية ووقف حرب غزة أو المخاطرة بصراع على جبهتين
كل ما سبق يجعل من الضرورى من وجهة نظر إسرائيل أن تعمل على حسم المواجهة فى الشمال بصورة واضحة تعيد إليها قوة الردع، ليس فقط تجاه «حزب الله» اللبنانى، بل أيضًا تجاه إيران، وإلا فإن الأعوام المقبلة ستكون كلها مواجهات متكررة تهدف إلى استنزاف إسرائيل ودفعها إلى الانهيار من الداخل، وهو أمر سيصبح أشد حينما تملك إيران، بعد وقت ليس ببعيد، سلاحًا نوويًا أو قدرة على إنتاج سلاح كهذا، وفقًا لوجهة نظر كثير من المحللين الإسرائيليين.
وحاليًا تعمل إسرائيل على إعادة ترتيب أولوياتها الأمنية ووضع أهداف للحرب على لبنان، خاصة أن إبعاد «حزب الله» عن الحدود إلى مسافة ١٠ كيلومترات أو أكثر لن يغير شيئًا على صعيد التهديد الاستراتيجى فى جنوب لبنان، من وجهة النظر الإسرائيلية، كما أن التوقيع على معاهدة محلية فى جنوب لبنان، حتى لو فرضها الجيش الإسرائيلى بصرامة على الحزب، وحتى لو قام الجيش بإقامة منظومة دفاعية هائلة على الحدود الشمالية، لن يزيل التهديد ولن ينقذ إسرائيل من ترسانة الصواريخ والمُسيّرات الهائلة التى يملكها كل من الحزب اللبنانى وإيران.
وبكلمات أبسط؛ فإن الرؤية فى إسرائيل الآن هى أن الحسم فى قطاع غزة لن يكون كافيًا، والمطلوب هو تحقيق نصر استراتيجى فى هذه الحرب المتعددة الجبهات التى تخوضها، وأنه لن يمكن لإسرائيل تحقيق نصر كهذا وحدها، وعليها أن تستعين بالولايات المتحدة، وأن تنسق خطواتها معها.
ويرى المحللون فى إسرائيل أن تل أبيب أمام ٥ خيارات مركزية: أولها القبول بصفقة وقف إطلاق النار، التى تعيد المحتجزين فى القطاع وتنهى الحرب فى الجنوب، ويمكن أن يتبع ذلك إنهاء الحرب فى الشمال أيضًا، هذا على أمل عزل «حزب الله»، وإلزامه بوقف إطلاق النار، ومراكمة شرعية دولية داعمة لحملة عسكرية ضده إذا تطلب الأمر ذلك، لكن ذلك سيتم مع إنجازات سياسية محدودة، تتمثل فى مواصلة «حماس» العمل فى قطاع غزة، و«حزب الله» فى جنوب لبنان، مع تآكل قوتهما العسكرية والسياسية.
أما الخيار الثانى فهو أن تقوم إسرائيل بوقف إطلاق النار من جانب واحد، مع إطلاق تحذير لـ«حزب الله»؛ فإذا لم يوقف نيرانه خلال فترة محددة، خلال ٧٢ ساعة فرضًا، فإن إسرائيل ستوجّه إليه ضربة قاسية، ومن شأن هذا الخيار أن يُفسَّر بأنه ضعف، ناهيك عن مصاعب تطبيقه من ناحية سياسية داخلية، وتتمثل ميزة هذا الخيار فى مراكمة شرعية دولية داعمة للحرب.
ومع ذلك، فإن الإدارة الأمريكية، برئاسة جو بايدن، ستعارض هذا الخيار، خصوصًا أنه يأتى عشية الانتخابات الأمريكية، ومن المعقول افتراض أن «حزب الله» ومحوره سيرفضان الامتثال للإنذار، وأن إسرائيل ستفقد بهذا عنصر المفاجأة، وستزداد مخاطر اندلاع حرب واسعة النطاق.
الخيار الثالث يتمثل فى بدء مبادرة سياسية، مع مواصلة الجهود الأمريكية للتسوية فى جنوب لبنان، وهذه التسوية السياسية ستكون أفضل، لكن المخاطر المحيطة بتطبيقها وبقائها أكبر، وعلاوة على ذلك، فإن التسوية تتطلب سلسلة من «التنازلات» الإسرائيلية على امتداد الحدود، وسيكون من الصعب قبولها داخليًا، ناهيك عن الشك فى أنها ستضمن الهدوء على الحدود على المدى الطويل.
أمّا الخيار الرابع فهو استمرار الحرب فى غزة ودخول حرب وعملية برّية محدودة فى لبنان، لتجديد قوة الردع، وهذا بالإضافة إلى فرض وقف إطلاق النار على «حزب الله»، وإبعاده عن الحدود.
وتتمثل المشكلة هنا، من وجهة النظر الإسرائيلية، فى أن ما يمكن أن يبدأ كضربة محدودة النطاق لن يظل بالضرورة على هذه الحال، كما أنه لا توجد ضمانات بتحقيق أهداف هذه الضربة، لذا فإن هذا الخيار لن يحظى بشرعية دولية أو أمريكية.
فيما يظل الخيار الخامس هو شن معركة كبيرة واسعة النطاق تهدف إلى تغيير الوضع الراهن فى الشمال، وهى حرب متعددة الجبهات، ويمكن تسميتها بسيناريو «يوم القيامة»، بالنسبة لإسرائيل.