"الهرب والحنين إلى الوطن والمصافحة"..ماذا تكشف قصة "سنوحي" من الأدب المصري القديم؟
يدعى البعض أن صنوف الأدب، كانت غائبة عن مصر القديمة، ولكنها مجرد افتراء على الحضارة المصرية، فهي التي عرفت الكتابة والقصص والشعر والفنون المختلفة منذ فجر التاريخ.
ونستعرض في التقرير التالي، واحدة من أشهرة وأجمل القصص وأولى محاولات فن "الرواية" في الأدب المصري القديم، وهي قصة "سنوهيت" الشهيرة بـ "سنوحي"، وفقًا لموسوعة "مصر القديمة" للعالم الأثري سليم حسن.
يؤكد سليم حسن في موسوعته إلى أن "القصص" التي وصلت إلينا من عهد الدولة الوسطى قصص ناضجة تدل على أن هذا الفن بلغ في عهد هذه الدولة ذروته، وإن كان قد أخذ في الهبوط بعد ذلك، لافتًا إلى أنه ليس من الطبيعي أن يُولَد الشيء ناميًا كاملًا، بل من الطبيعي أن يُولَد طفلًا، ثم يصعد في معارج النمو حتى يستوي خلقه وتكمل بهجته.
قصة "سنوحي"
ظهرت هذه القصة في مصر القديمة، أوائل الأسرة الثانية عشرة حوالي سنة ٢٠٠٠ق.م، وقد ذاع صيتها ولقيت رواجًا عظيمًا، وظلت تُسَخ وتُقرأ نحو ٥٠٠ سنة في المدارس المصرية.
ملخص قصة سنوحي
وتروي قصة سنوحي، أنه كان "سنوهيت" عائدًا من غزو ضد اللوبيين (الليبيين) بقيادة ولي العهد "سنوسرت الأول"، فحدث في تلك الأثناء أن مات الملك "أمنمحات" الأول، وأمر الوفاة كان قد ذاع بين الأمراء المرافقين للحملة، وسمع به "سنوهيت" خلسة، فما كان منه إلا أن فرَّ هاربًا إلى سوريا لأسباب غامضة لم يستطع هو أن يجد لها تعليلًا مقبولًا، وقد أحسن استقباله هناك أحد رؤساء القبائل، وزوَّجه؛ فأصبح رب أسرة هناك.
وبعد فترة طويلة عاوده الحنين إلى وطنه، وتاقت نفسه للرجوع إلى مصر ليكون في خدمة مولاه الملك الذي ظلَّ مخلصًا له طول حياته، وليلقى ربه، ويُدفَن في البلد الذي وُلِد فيه وترعرع، ولما سمع الملك بآلامه وأحلامه عفا عنه، وأعاده إلى منصبه في الحكومة، وسمح له أن يعود إلى وطنه معزَّزًا مكرَّمًا ليقضي ما بقي له من أيام تحت سمائه.
ماذا جاء في القرار الملكي لعودة سنوحي إلى مصر بعد هربه؟
فقال الملك سنوسرت لـ سنوحي: «لقد اخترقت الأراضي الأجنبية، وخرجت من «كدمى» إلى فلسطين، وقد أسلمَتْكَ أرض إلى أرض، وذلك بمشورة قلبك، فما الذي فعلته حتى يبرم شيء ضدك؟ إنك لم تلعن حتى تعنف على كلامك، ولم تتكلم في محفل الحكام حتى يُلعَن حديثك، وهذا العزم «على الفرار» قد ملك عليك قلبك أنت، ولم يكن في قلبي شيء ضدك «عن هذا الهرب»، ولكن سماءك هذه التي في القصر لا تزال تسكن وتفلح اليوم، ولها نصيبها في ملك الأرض وأولادها في البلاط، وليتك تعيش طويلًا على الأشياء الطيبة التي سيعطونك إياهاوليتك تحيا على فيضهم.
وأكمل: تعالَ ثانية إلى مصر لترى مقر الملك الذي تموت فيه، وتقبل الأرض عند البابين العظيمين، وتنال نصيبك بين رجال القصر.
وهنا تكشف القصة عن إنسانية المصريين القدماء في المصافحة، فقال الملك: ذلك لأنك قد أخذتَ فعلًا تتقدَّم اليوم في السن، وقد ضيعت شبابك، فكِّرْ في يوم الدفن، والمرور إلى دار النعيم! وكيف سيخصص الليل لك بالعطور والأكفان من يد «تايت»، وسيُقَام لك محفل جنازي يوم الدفن، وسيكون غطاء المومية من الذهب، والرأس من اللازوَرد، وسيقام فوقك سماء، وستوضع زحافة، وتجرك الثيران، ويمشي أمامك المغنون، ويقام أمامك رقص «مور» عند باب قبرك، وقائمة مائدة القربان ستُتلَى من أجلك، وتُذبَح الضحايا بالقرب من لوحتك، وعمدك، تُصنع من الحجر الأبيض في وسط مقابر أولاد الملك، وعلى ذلك لن تموت في الخارج، ولن يدفنك الآسيويون، ولن توضع في جلد غنم عندما يُصنع لك قبرك، حقًّا كل هذه الأشياء ستسقط في الأرض، ولهذا يجب عليك أن تفكِّرَ في جثتك وتعود.