فى رسالة ماجستير جزائرية: «الخشت» رفض السير على خطى الغرب وانحاز للعقلانية
سلطت الباحثة الجزائرية بجامعة قاصدى مرباح، سيرين بوسالم، الضوء على فلسفة ومنهج والمنجز الفكرى الضخم للأستاذ الدكتور محمد عثمان الخشت، أستاذ الفلسفة ورئيس جامعة القاهرة، من خلال رسالة ماجستير فى الفلسفة.
وأنصفت الباحثة «الخشت» ووضعته فى الموضع الذى يليق به وبمنجزه الفلسفى والفكرى، وثمنت جرأته وإقدامه على معالجة وفحص القضايا الدينية الخلافية والأفكار المغلوطة، وتصديه الشجاع للفكر التكفيرى من خلال تفنيد الأفكار وتحليلها، وسعيه الدءوب لتنقية التراث من مغالطات ناقصى العقل والدين، لينضم إلى قائمة ذهبية من الحكماء والفلاسفة العرب المسلمين.
كما تناولت بالدراسة تجديد الفكر الدينى عند «الخشت»، ومفهوم الدين ونشأته، وتجديد الخطاب الدينى، مؤكدة أن الفيلسوف «الخشت» موسوعى الثقافة، يجمع بين التعمق فى التراث الإسلامى والفكر الغربى، وتتميز مؤلفاته بالجمع بين المنهج العقلى والخلفية الإيمانية، ولذلك أُطلق عليه «الفيلسوف الفقيه».
وعرضت الباحثة الدراسة على لجنة مناقشة تضم الأستاذ الدكتور أحمد زيغمى مشرفًا، والأستاذ الدكتور محمد الصديق بن غزالة مناقشًا، والأستاذ الدكتور عمر بن رابح مناقشًا ورئيسًا، لنيل درجة الماجستير الأكاديمية، بجامعة قاصدى مرباح الجزائرية.
تناولت الباحثة فى دراستها مؤلفات وفلسفة الدكتور «الخشت»، مشيرة إلى أن مؤلفاته تدرس فى العديد من الجامعات وتعالج العديد من فروع العلم؛ كأصول الدين والفقه ومقارنة الأديان وفلسفة الدين وعلم السياسة والمجتمع المدنى وفلسفة المواطنة، وغيرها من فروع العلم، وتكشف هذه المؤلفات عن غزارة علمه وإبداعه الموسوعى ومدى تعمقه الكبير فى العلوم الإنسانية والشرعية، وتركيزه على الكيف وليس الكم.
وقالت الباحثة إن مؤلفات «الخشت» تعمل على أن ترسى فهمًا جديدًا ورؤية مستنيرة للعديد من القضايا والإشكاليات المعاصرة، مستندة فى ذلك إلى منهج عقلانى ذى صبغة منطقية.
وأشارت إلى أنه يمكن من خلال استقراء كتب الدكتور الخشت أن نحدد تنوعه الفكرى فى اتجاهات عديدة، حيث نجده فقيهًا معتدلًا وسياسيًا مدنيًا وإصلاحيًا تنويريًا ومنطقيًا فائقًا، لديه بعد عقلى، وأصولى عقيدى، وهذه الخصائص لا ينالها إلا قلة من النوابغ.
وأوضحت الباحثة أن الدكتور الخشت نفض الغبار عن سواعدنا، من خلال سعيه إلى تحقيق صحوة تنويرية تنتشل الأمة من واقعها المرير، من خلال العمل على إصلاح عقلى نقدى تنويرى، يشمل شتى الميادين الاجتماعية والسياسية والفقهية والفكرية، حيث رفض أن يكون مقلدًا للفلاسفة الغربيين، وراح يدرس تراثهم وينقد ما وجب نقده، ويشيد بما وجب الإشادة به، ولم ينقد الفلسفة الغربية نقدًا ذاتيًا تتدخل فيه عقيدته وانتماؤه العربى الإسلامى، لكنه أوضح رأيه الموضوعى فى مختلف المسائل والإشكاليات بشكل علمى منطقى مبنى على حجج قوية.
ووصفت الباحثة فكر الدكتور الخشت بأنه تأسيس لمبادئ يحتكم إليها الدارسون، وهى التأسيس لاتجاه فقهى تنويرى بغية القضاء على الجمود والتعصب والاستبداد بالرأى، مع مراعاة الظروف والمتغيرات التى طرأت على عصرنا والبحث عن حلول تمنع الناس من التخبط، بعد رؤية الواقع المرير للمسلمين.
وخلصت الباحثة، من خلال الدراسة، إلى أن العقلانية النقدية تمثل حجر الأساس الذى قامت عليه فلسفة التنوير عند الدكتور الخشت، وأنه تمكن من بناء نسق عقلانى بامتياز، ونجح فى تفكيك البنية العقلية للفكر الإنسانى الذى نشأ حول الدين، وأن فلسفته قائمة بشكل أساسى على النقد العقلانى الملتزم بمعايير المنطق، والوصف العلمى، والتحليل والنقد الفلسفى لمختلف إشكاليات عصر الحداثة وما بعدها.
ورأت أن دعوته لتأسيس عصر دينى جديد تسعى إلى تصحيح التصورات الأسطورية والأفكار غير المنضبطة، التى خلفها الخطاب الدينى البشرى التقليدى مع التأكيد على التصدى للتعصب، سواء كان مصدره رجال الدين أو العلمانيين، والقضاء على أى شكل من أشكال التطرف، والتحذير من وقوع المجتمعات العربية الإسلامية فى فخ التعصب.