الفستان وصاحب المقهى
تناثرت الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي عن مقهى أو نقول كما يقولون "كافيه" طلب من رواده الالتزام بنمط معين من الملابس ملوحًا بأنه لن يسمح بالدخول لمن يخالف هذا الزي، وفي التفاصيل تركزت محظورات صاحب المقهى في موضوع الملابس على النساء دون الرجال، فذهب يرصد بالتفاصيل رافضًا الفستان المفتوح والبلوزة القصيرة وما إلى ذلك من محظورات يراها الأخ صاحب المقهى لا تتوافق مع الجو العائلي الذي يريده.
لم يرصد صاحب المقهى محظورًا واحدًا على الرجال وهو ما يعني التمييز والنظر إلى المرأة نظرة ضيقة الأفق ولا يرى فيها غير صدر وبطن، والحقيقة هي أن الإعلان مقزز جدًا ويفتح الباب نحو أسئلة كثيرة تكون الإجابة فيها إلى القانون وليس إلى مزاج صاحب المقهى، ذلك المزاج الذي يفرض ذوقًا معينًا ونمطًا محددًا، وإذا امتد الخط على استقامته قد نرى صاحب المقهى في إعلان جديد وهو يختار للنساء من رواد المقهى موضوعات محددة للحديث فيها ويمنع موضوعات أخرى.
ما علينا من هذا التدخل الممجوج لأنه من السهل الإجابة عليه بأنه طالما لا تعجبك شروط المكان فلا داعي لزيارته، وهو ما سنفعله بالتأكيد والدعوة لعدم زيارته، ولكن هناك سؤالان نريد الإجابة عليهما، السؤال الأول نطلب الإجابة عليه من الأخ المبارك صاحب المقهى.. لو أعلن مقهى آخر عن منع دخول المنتقبات والمحجبات فماذا يكون ردك على مثل ذلك التصرف؟ طبعًا ستصرخ ضد التمييز وأنا معك بالطبع لأنه ليس من حق أي إنسان التدخل في خصوصية ملابس إنسان آخر، الملابس اختيار شخصي والمسئول الوحيد عنها هو صاحبها، لذلك مثلما نرفض معًا المصادرة على المنتقبة والمحجبة ومنعها من ارتياد مكان عام، فلا بد وبنفس ارتفاع صوتنا الرافض للمصادرة السابقة نرفض أيضًا نهج جماعة الأمر بالمعروف التي انتهت في البلاد التي اخترعتها ونرفض تحكم صاحب المقهى وفرض زي معين على نساء مصر.
ندخل إلى السؤال الثاني والذي ننتظر الإجابة عنه من رجال القانون لأنني لست متخصصًا في ذلك ولكنني كاتب أؤمن بمصر مدنية ديمقراطية حديثة، وسؤالي هو هل المقهى أو كما يقول البعض "الكافيه" منشأة عامة؟ أعتقد أن الإجابة هي نعم لأننا لو رصدنا مخالفة بالداخل جاء التوصيف القانوني أنها تمت في مكان عام، وبالتالي نسأل من الذي يحدد مواصفات مرتادي هذا المكان؟ هل هو القانون والدستور أم مزاج مقزز لصاحب المنشأة؟ أعتقد أنه القانون والدستور وطالما الدستور يمنع التمييز بكل أشكاله سواء على مستوى الدين أو الجنس أو العرق، هنا بالتحديد سوف نجد أن صاحبنا صاحب المقهى قد قام بالتمييز وأهان الدستور المصري وأراد تنفيذ دستوره الشخصي وكأنه دولة داخل الدولة.
وقبل أن يهاجمني أحدهم بلكاعة مشيرًا إلى أن ملابس بعض النساء لا تروق له أخلاقيًا أو أنني أدعو إلى التعري، فلا بد أن أنصح من لا تروق له هذه الملابس بألا يرتديها، ولن أعترض عليه ولكن اعتراضك على ملابس الأخريات يحمل في طياته اتهامًا لهن بالفجور، وهذا- لو تعلم- اتهام عظيم من الممكن له أن يضعك في موضع قانوني لا تحسد عليه.
لذلك أحيط الأخ صاحب المقهى علمًا بأن في بلادنا دستورًا وقانونًا ونيابة وشرطة لتنفيذ القانون، فإذا ما رأت النيابة العامة أي تجاوز في مكان عام سواء بالشارع أو المقهى فهي لن تتردد في اتخاذ الإجراءات اللازمة، لذلك أهديك نصيحتين صادقتين، الأولى هي ألا تزايد على الدولة المصرية وقوانينها لأنها هي البلد التي علمت الدنيا أصول الحكم، أما النصيحة الثانية هي أرجوك أن تبدي قليلًا من الاحترام لجسد المرأة المصرية التي ثارت في 30 يونيو ونجحت في إنقاذك من أظافر تنظيم الإخوان الإرهابي، الذي كان من الممكن لهم أن يقيموا عليك الحد باعتبارك- من وجهة نظرهم- تدير مشروعًا يلهي الناس عن ذكر الله.
اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.