رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شهادات جديدة.. عذاب النساء مع «النقل الذكى»: تحرش وتربص أمام المنازل

النقل الذكى
النقل الذكى

التحرش بالفتيات فى سيارات تطبيقات النقل الذكى ظاهرة طفت على السطح بشدة خلال الفترة الماضية، وأرقت المجتمع وتسببت فى ذعر للأهالى الذين كانوا يظنون أن تلك الوسيلة هى الأكثر أمانًا لبناتهن.

ومع تكرار حوادث التحرش التى تطور بعضها إلى جرائم قتل بشعة، تفتح «الدستور» هذا الملف فى محاولة لاستكشاف أسباب الظاهرة، ومعرفة الطرق الأنسب لحلها من جذورها، وكيفية تأمين الفتيات خلال استخدامها.

الضحايا: بعضنا تعرض للاختطاف.. وواجهنا سلوكيات منحطة ومعاكسات بذيئة

اعتادت «سميرة. خ»، ٢٩ عامًا، استخدام أحد تطبيقات النقل الذكى الأقل تكلفة، الذى يتناسب مع ظروفها الاقتصادية، وكانت تطلبه بشكل مستمر من أمام منزلها فى مدينة ٦ أكتوبر حتى مقر عملها بمنطقة الدقى، على اعتبار أنه أكثر أمانًا من المواصلات العامة. وذات مرة طلبت «سميرة» سيارة من ذات الشركة كالمعتاد لتوصيلها إلى مكان عملها، وتفاجأت بأن السائق يطلب سعرًا أكبر من السعر المحدد على التطبيق وقت وصولها.

وقالت: «حين رفضت أغلق باب السيارة وأنا داخلها رافضًا إخراجى، وحين بدأت فى الصراخ استجاب لى وفتح باب السيارة، إلا أننى وجدته يخرج منها ويتبعنى، ويؤكد أنه يعلم عنوان المنزل وينتظرنى هناك».

وظنت «سميرة» أن حديث السائق مجرد تهديد حتى تفاجأت بعد عودتها بأنه ينتظرها أسفل منزلها، قائلة: «صار يتحرش بى لفظيًا بطريقة مبتذلة، وكنت أجرى من شارع إلى آخر حتى استنجدت ببائع فى محل قريب، وحين شاهده السائق ركب سيارته وذهب مسرعًا».

وأرسلت «سميرة» شكوى إلى الشركة لكن دون استجابة، فقررت إرسال الشكوى أكثر من مرة دون أى نتيجة أيضًا، قائلة: «لم يفعلوا شيئًا لعدم وجود أى دليل على حديثى، إلا أنهم اكتفوا فقط بالاعتذار نيابة عن السائق؛ رغم أننى طلبت فصله من الشركة».

وتكرر نفس الأمر مع «عزة. م»، فى العشرينات من عمرها، التى تعرضت للتحرش على يد أحد سائقى تطبيقات النقل الذكى.

وقالت: «تفاجأت أثناء الرحلة بطريقة السائق غير المريحة والمبتذلة فى الحديث، وحين قاطعته وطلبت منه التوقف عن ذلك اعترض وطلب منى النزول فى منتصف الرحلة»، مضيفة: «وجدته يعرض علىّ تناول القهوة فى أى مكان، ثم بدأ ينظر لى بغرابة وشهوانية، وحين قررت النزول من السيارة، أغلق الأبواب وأنا بالداخل، وظل يتحرش بى لفظيًا حتى بدأت فى الصراخ من السيارة حتى يسمعنى الناس».

وكشفت عن أن بعض السيارات بدأت فى مطاردة السائق، ما أجبره على السماح لها بالنزول، ثم هرول مسرعًا قبل أن يلحق به أحد، قائلة: «حررت شكوى فى الشركة لكن دون جدوى، فلم يتحرك أحد رغم إصرارى على فصله وتقديم أكثر من شكوى ضده».

أما «إسراء. د»، عشرينية، فحكت أنها بعدما أنهت رحلتها مع أحد سائقى النقل الذكى، فوجئت بالسائق يتحدث معها عبر تطبيق «واتس آب»، ويتطفل عليها ويرسل إليها صورًا وكلمات مبتذلة.

وقالت: «فوجئت به يتحدث وكأننا أصدقاء ويطلب منى إرسال صور لى، بل أرسل صورًا لنفسه عاريًا دون طلب منى، وقتها حظرته وقدمت شكوى للشركة مرفقًا معها صور المحادثة، لكن لم يحدث شىء».

خبير نفسى: مَن يرتكب الجرائم «سيكوباتى» ويركض خلف شهواته

أرجع علا أبوالنور، خبير الطب النفسى، تفشى ظاهرة التحرش داخل مركبات النقل الذكى فى الآونة الأخيرة إلى التراكمات الناتجة عن حالة الانهيار الثقافى المستمر.

وأضاف أن هذه الحوادث هى تبعات لحالة الانهيار الأخلاقى والدينى وتدمير العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع، وهى أيضًا إحدى نتائج تفشى مواقع التواصل الاجتماعى بين الناس التى أصبحت تربة خصبة ومجالًا لنشر وتداول السلوكيات السلبية والمحتويات غير الهادفة وغير الأخلاقية. وبين أن المتحرش يُعَّرف فى الطب النفسى بالشخصية السيكوباتية، وهو شخص سلبى يتصف باللا مبالاة وعدم الاكتراث نهائيًا لتصرفاته السيئة، بل يسير فورًا خلف أفكاره اللحظية المندفعة دون التفكير فى عواقبها.

وقال: «فقدان الإحساس بتبعات التصرفات يجعل من المتحرش شخصًا لا يمتلك مشاعر أو أحاسيس، وهو ما يفسر فى كثير من الأحيان ابتسامة الانتصار على شفاه المتحرشين بعد أفعالهم المؤذية». وأضاف: «الشخصية السيكوباتية تتصف بالنمطية وتكرار الفعل الخاطئ، لذلك فإن الشخص الذى يرتكب فعل التحرش الجنسى لمرة واحدة، على الأرجح سيفعله مرات متتالية، ولكن ما يزيد من خطورة مسألة التحرش هو كون مرتكبها يعانى حرمانًا أو كبتًا جنسيًا أو غير قادر على الزواج». وعن كيفية الحد من انتشار الظاهرة، قال «من أجل الحد من ظاهرة التحرش داخل مركبات النقل الذكى لا بد من وجود جانب رقابى على تلك المركبات، وهذا يوجب على الدولة التدخل السريع لإصلاح قضية الثقافة، من خلال حجب المحتويات التى تخالف الدين والشرع وما يتماشى مع ثقافة المجتمع المصرى».

استشارى تخطيط: نحتاج إلى تشديد الرقابة وإنشاء هيئة مختصة بالإدارة

رأى الحسين حسان، استشارى التخطيط العمرانى والتنمية المستدامة، أن ضعف الرقابة والعقوبة من الأسباب الرئيسية وراء الأزمات التى تحدث الآن من تطبيقات النقل الذكى.

وأوضح «حسان»: «لا بد من تشديد الرقابة، واختيار جهة تكون المسئولة عن إدارة المنظومة ومنح التراخيص على مستوى الجمهورية»، مشيرًا إلى أن هناك ١١ مليون مركبة فى مصر.

وأضاف: «آليات الرقابة التى نعتمد عليها منذ سنوات أصبحت غير مجدية ولا تفيد ولا يمكن الاعتماد عليها بشكل أساسى الآن، ويجب تطويرها بشكل كبير».

وتابع: «هناك حاجة ملحة لوجود إدارة أو هيئة للنقل الذكى تضم ممثلين عن أجهزة الدولة المختلفة يستطيعون مراقبة خطوط سير مركبات النقل الذكى، لأن الحوادث التى وقعت مؤخرًا فى وقت زمنى صغير تعتبر مبالغًا فيها، ولا بد من رقابة حتى وإن كانت بالأقمار الصناعية لرصد المخالفات بشكل أساسى وتسجيلها فى التو واللحظة والإخطار بها ورصد سير خطوط التطبيقات الذكية على مستوى الجمهورية».

وقال: «على النواب وضع تشريعات تنظم اشتراطات قبول السائقين، منها تحليل المخدرات والسجل الجنائى»، مبينًا أن أى شخص يرتكب مخالفة جنائية أو جنحة لا بد من استبعاده من الوظيفة بشكل نهائى حتى لا يتعرض أحد للخطر».

قانونى: القانون يعاقب المتهمين بالحبس مدة تصل إلى ١٠ سنوات

أكد على دندراوى، الخبير القانونى، أن التحرش ما هو إلا سلوك اندفاعى ناتج عن رغبة مكبوتة تتعارض مع القانون وأعراف المجتمع، وبسبب عدم وجود رادع قانونى أو اجتماعى قوى، تخرج تلك الرغبة على الفور لتكون انتصارًا للمتحرش.

ويقول: «تفاقم معدل التحرش بالمجتمع المصرى، خاصة داخل مركبات النقل الذكى، يثير القلق والخوف بين المواطنين، ولكن الحكومة تبذل عظيم الجهد بوضع بعض المواد القانونية الرادعة لتلك الأفعال المشينة».

ويوضح أن عقوبة التحرش فى القانون المصرى يحكمها نص المادة رقم ٣٠٦ بعقوبة مشددة للقائم بالتعرض للغير بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل أو بأى وسيلة، بما فى ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللا سلكية أو الإلكترونية».

ويستطرد: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تتجاوز خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن ٢٠٠ ألف جنيه ولا تزيد على ٣٠٠ ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا ارتكبت الجريمة فى مكان العمل أو فى إحدى وسائل النقل أو من شخصين فأكثر».

ويستكمل: «إذا كان مرتكب الواقعة يحمل سلاحًا تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات، أما إذا توافر ظرفان أو أكثر من الظروف المشددة المذكورة سابقًا بالمادة الدستورية فتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن عشر سنوات».

وأكد أن «تكرار وقائع التحرش ومحاولات الاعتداء على الفتيات فى مركبات النقل الذكى بمختلف أنواعه كان ناتج غياب الدور الرقابى عليها، ولا بد من تسليط الضوء على تلك الظاهرة للحد منها».