رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فتيات الليل في مصر.. "الوصم الاجتماعي" ينزع عنهن غطاء الحماية من "جرائم الزبائن"

أرشيفية
أرشيفية

مع حلول منتصف الليل وخلود الناس إلى النوم، تبدأ ساعات عمل فتيات الليل، اللاتي يعرضن خدماتهن تحت جنح الظلام، لكن ماذا يحدث حين تنقلب عليهن الأقدار، وتمتد إليهن أياد آثمة بالأذى والعدوان؟

هؤلاء الفتيات قد يقعن ضحايا للعنف والاستغلال والجرائم من قِبل زبائنهن، لكن هل يستطعن اللجوء للقانون لينصفهن؟ أم أن وضعهن المجتمعي يحرمهن من حقهن في الحماية والعدالة؟

وللإجابة عن ذلك، كشفت سلسلة جرائم "سفاح التجمع" الأخيرة عن مأساة مضاعفة تعيشها فتيات الليل، فبالإضافة لما يتعرضن له من مخاطر وإيذاء جسدي ونفسي بحكم عملهن، يُحرمن أيضًا من اللجوء للسلطات خوفًا من الملاحقة والوصم. 

ضبط 4 فتيات يعرضن أنفسهن على الرجال بشارع رئيسي في المنصورة
أرشيفية

في السطور التالية، نلقي الضوء على معاناة هؤلاء الفتيات في مواجهة جرائم الزبائن، ونتتبع قصصهن مع القانون، هل يحصلن على حقوقهن القانونية رغم وضعهن؟ وكيف يمكن ضمان حمايتهن وإنصافهن بغض النظر عن ظروفهن؟

خبير أمني: فتيات الليل يخشين الإبلاغ عن الاعتداء بسبب الوصمة الاجتماعية

بدأنا الحديث مع اللواء أحمد طاهر، الخبير الأمني والمحامي المتخصص في القضايا الإلكترونية والاتجار بالبشر، قال إن فتيات الليل ليست مهنة معترف بها داخل المجتمع المصري والعربي وإنما هي وصم عار داخل المجتمعات المحافظة، وتحمل في حد ذاتها جريمه يحب أن تعاقب المرأة على امتهان أعمال تخل بالآداب العامة.

وأوضح "طاهر"، في حديثه مع "الدستور"، أن هؤلاء النسوة لا يجب تركهم كضحايا لما يتعرضن له غالبا أثناء ممارستهن تلك الأعمال المنافية للآداب من ضرب وإهانة واغتصاب جنسي، فتلك هي حياة الليل تحمل علاقات شاذة ومريضة ومتداخلة بين أصناف من البشر اعتادوا تلك النوعية من السهرات التي تلازمها أمراض اجتماعية مرضية وشرب خمور وتعاطي لمواد مخدرة وارتكاب لممارسة أعمال الدعارة مع تلك النسبة بمقابل مادي وبدون تمييز.

خبير أمني يكشف عن حيلة تستخدمها فتيات الليل للهروب من العقوبة
اللواء أحمد طاهر

وأكد أنه يجب إعطائهن حقهن في الحماية من التعدي عليهن جنسيًا واغتصابهن، فرغم اعتيادهن القيام بأعمال الدعارة بمقابل مادي وبدون تمييز وذلك بالمخالفة للقانون 10 لسنه 1961 من قانون الآداب إلا أنه لايحق لرجل اغتصاب المرأة ومواقعتها بالقوة والعنف في حال عدم رغبتها.

ونفى تقدم أي منهن بأي بلاغ لتتظلم أو تطالب بحقها وحمايتها بسبب اغتصابها أثناء ممارستها أعمال الدعارة، خشية من افتضاح أمرهن وشعورهن بعدم تعاطف الجهات الأمنية والقضائية معهن، لكونها امرأة سيئة السمعة، مما خلق نوع من أنواع البلطجة الليلية لرجال امتهنوا مهمة القوادة وملازمة فتيات الليل أثناء تحركاتهن أو ممارسه أفعال الرذيلة وحمايتهن، وهو عالم مريض يجب خلق عقاب لمثل تلك النوعية من الرجال.

*كان مجال الدعارة في مصر مرخصًا حتى عام 1949، وكانت للعاملات فيه رخصة وأطباء متخصصون للكشف الطبي عليهن، حتى تم إلغاؤها بإصدار الأمر الملكي بالقانون 68 لسنة 1951، وفرض عقوبات على ممارسيها وأصحاب بيوتها.

محامي بالنقض: إذا أبلغت عن نفسها تعاقب بالحبس

فيما شرح المستشار عصام عجاج، المحامي بمحكمة النقض، موقف القانون من الشكاوى المقدمة من قبل "فتيات الليل" ضد من يعتدي عليهن، مؤكدًا أن القانون لا يمنع هذه الفئة من تقديم شكاوى، إذ أن هذا حق مكفول للجميع، لكنه أشار إلى أن هذه الشكاوى ستحفظ ولن يتم اتخاذ إجراءات بشأنها".

وأوضح "عجاج"، في حديثه مع "الدستور"، أن السبب في ذلك يرجع إلى أن النيابة العامة ستسأل المشتكية إن كانت ذهبت لممارسة هذا النشاط برضاها أم لا، وبإقرارها الصريح بذلك فإنها تكون ارتكبت جريمة الدعارة المعاقب عليها بالقانون رقم 10 لسنة 1961 بالسجن لمدة 3 سنوات والمراقبة لمدة سنة بعد الخروج.

محامٍ بالنقض يهاجم قانون الأحوال الشخصية: الخراب بدأ من سيطرة الأم على حضانة الطفل حتى 15 سنة
المحامي عصام عجاج

مبادرة عون للدعم القانوني: من حقها الشكوى أيًا كانت مهنتها

انتقلنا بعدها إلى مؤسسات حماية المرأة، كانت محطتنا الأولى مع داليا سعيد، المحامية بمؤسسة عون للدعم القانوني، التي أكدت أن المؤسسة تقدم الدعم القانوني لكل سيدة تعرضت للعنف بغض النظر عن طبيعة عملها، إلا أن نظرة المجتمع الدونية لهذه الفئة تجعل قضاياهن معرضة للإضعاف أمام القضاء.

وأوضحت "سعيد"، في حديثها مع "الدستور": "لو جاءتنا فتاة ليل وأرادت تقديم بلاغ بتعرضها للعنف أو الاعتداء، فنحن نقبل قضيتها ولا نهتم بطبيعة عملها، فهذا لا يبرر العنف ضدها"، مشيرة إلى أنه في حال وصول القضية للمحكمة، قد تضعف مواقف هذه الفتيات بسبب نظرة بعض القضاة الدونية لهن، حيث تلجأ المؤسسة حينئذ لتقديم الاستئنافات حتى تنصفهن.

وترى أن الجهاز القضائي المصري لا يزال ينظر لضحايا العنف من "فتيات الليل" بنظرة دونية، مشيرة إلى أن هذا هو التوجه العام للمجتمع المصري برمته تجاه هذه الفئة.

No photo description available.

مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية: فتيات الليل دون الـ18 عامًا خاضعات لقانون الطفل

فيما أشار رضا الدنبوقي، المحامي ومدير مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، إلى أن الفتيات اللواتي هن أقل من 18 عامًا، العاملات كفتيات ليل، خاضعات لقانون الطفل المصري، وينبغي أن تشملهن رعاية الدولة، وأن تحميهن، وتضعهن في أماكن رعاية ودور إيواء، لكن هذا لا يحدث، فأحيانًا يتم تحرير محاضر "آداب" ضدهن، والقبض عليهن، وقد يُدفعن إلى "سجن الأحداث" بدلًا من التعامل معهن كونهن ضحايا.

حقوقي: عقوبات النفقات الجديدة رادعة وستنهي المماطلة
المحامي رضا الدنبوقي

مؤسسة المرأة الجديدة: كل فرد له حق الإبلاغ عن جريمة

وتواصلنا أيضًا مع علياء عسكر، المستشار القانوني لمؤسسة المرأة الجديدة، والتي أوضحت أن الأصل أن التبليغ من الحقوق المباحة للأفراد، فالبلاغ كقاعدة عامة حق وواجب على كل مواطن، وذلك طبقًا للمادة 4 من القانون المدني: "من استعمل حقه استعمالًا مشروعًا لا يكون مسئولًا عما ينشأ عن ذلك من ضرر"، ويكفل قانون الإجراءات الجنائية الحق في التبليغ عن الجرائم ومرتكبيها.

وأكدت "عسكر"، في حديثها مع "الدستور"، أنه ليس من حق أي شخص أن يبرر لنفسه اقترافه لجريمة بأن المجني عليها تستحق؛ فما ذلك إلا نتاج مرض نفسي يختلق له مبرر، بالتالي فمن حق هؤلاء النساء، رغم أخطائهن، أن يُحاكمن وفقًا للقانون، وليس أن يقع عليهن هذا العدوان السافر، ويجب محاسبة هذا المجرم أشد العقاب حتى يكون عبرة لمن تسول له نفسه بارتكاب مثل هذه الأفعال. 

علياء عسكر Alyaa Askar
المحامية علياء عسكر

*وفقًا لتقارير الأمم المتحدة فإنه في عام 2012 وصل عدد ضحايا الاتجار بالبشر إلى 2.4 مليون شخص، تم خطف وبيع أكثر من 80% منهم للقيام بأعمال جنسية، كما قالت منظمة العمل الدولية، إن حوالي 21 مليون شخص يعدّ ضحية للخطف والسخرة و22% منهم (4.5 مليون) هم ضحايا استغلال جنسي قسري، ومع ذلك فإن هذه الأرقام لا تزال غير دقيقة نتيجة لصعوبة جمعها.