حرق الساحرات.. عقاب جماعي للمتنورات في أوروبا بعد عصر النهضة
شهدت الدول الأوروبية منذ العصور الوسطي وقبلها هوس ما يعرف بـ “حرق الساحرات”، والتي بدأت، بحسب بعض المؤرخين مع الفيلسوفة هيباتيا ــ بل وطالت الاسم الأبرز في تاريخ المقاومة الفرنسية، جان دارك.
حرق الساحرات عقاب جماعي للنساء المتنورات في أوربا بعد عصر النهضة
في تصريحات لـ“الدستور” كشف الباحث العراقي دكتور خزعل الماجدي، تاريخ حرق الساحرات، مشيرًا إلى أن القانون الروماني كان يحظر تجارة وحيازة المخدرات والسموم الضارة والكتب السحرية وغيرها من أدوات السحر. وقد عزز الإمبراطور أغسطس القوانين للحد من هذه الممارسات، ففي عام 31 قبل الميلاد، حرق أكثر من 2000 كتاب سحري في روما، باستثناء أجزاء معينة من كتب العرافة المقدسة.
وفي عهد طيبيريوس كلوديوس، تم إعدام 85 امرأة و45 رجلًا بتهمة ممارسة الشعوذة. بحلول القرن الثالث الميلادي، ظهرت، على نطاق أوسع، حملة ضد أنواع أخرى من السحر الذي أعتبروه ضارًا. وكان من المقرر أن يُحرق السحرة. واستمر اضطهاد السحرة في الإمبراطورية الرومانية حتى أواخر القرن الرابع الميلادي ولم يهدأ إلا بعد إدخال المسيحية كدين الدولة الرومانية في تسعينيات القرن الثالث.
وعن تاريخ حرق الساحرات يلفت “الماجدي” إلي: يرى بعض المؤرخين أنه، في القرون الوسطى، بدأ تاريخ محاكمات السحر مع الفيلسوفة وعالمة الرياضيات هيباتيا، التي قُتلت على يد حشد من الغوغاء عام 415 م لتهديدها نفوذ كيرلس الإسكندري، وربما كانت أول "ساحرة" مشهورة تعاقبها السلطات المسيحية.
محاكم التفتيش وحرق الساحرات
ويمضي “الماجدي” موضحا: مارست محاكم التفتيش الرومانية الكاثوليكية توجيه اتهامات ضد السحرة، تجمع بين اتهامات الهرطقة والسحر معًا، لا سيما عندما تم تكليف محاكم التفتيش المشكلة حديثًا في القرن الثالث عشر بالتعامل مع الكاثار( وهم من الغنوصيين المسيحيين ) في جنوب فرنسا، الذين اتهموا بممارسة السحر.
مع بداية عصر النهضة ظهرت مجموعة من الأفعال الدينية المسيحية كردة فعلٍ على النهضة والتوير آنذاك، ومن أهم هذه الظواهر، ظاهرة مطارة السحرة وحرق الساحرات witch-hunt وتسمى أيضًا تطهير السحرة witch purge، أي حرقهم. وكان حجة الكنيسة المسيحية الكاثوليكية ثم البروتستانتية هي أنها أعمال هرطقة وانحرافٍ عن الدين، وكانت أول حملة قد بدأت بين 1450 – 1750 م، وطالت مايقرب من 35000 إلى 50000 عملية إعدام.
تعني كلمة "مطاردة الساحرات" توجيه اتهامٍ لسيدات متنورات يؤيدن التنوير وممارسة العلم والاعتقاد به سبيلًا لتحقيق حياةٍ منشودة، واعتبار ذلك كنوعٍ من النشاط التخريبي، وعدم الولاء، وما إلى ذلك، ويمكن أن ينطوي الأمر على تنكيلٍ ذات طبيعة أخلاقية معلنة بين الناس لردع من تسول نفسه السير بهذا الإتجاه، وهو مايسبب نوعًا من الهستيريا الجماعية.
ويستطرد “الماجدي” استعراضه لتاريخ حرق الساحرات مشيرا إلي: في إنجلترا واسكتلندا، نصت سلسلة من قوانين السحر على معاقبة الأفراد الذين يمارسون السحر بالموت، وأحيانًا بالسجن، للأفراد الذين يمارسون أو يدعون أنهم يمارسون السحر. وكانوا يسمون بعض الساحرات ب(العاهرات البيضاوات)، ثم ظهرت كساحرات. كانت “جين وينهام” من بين آخر الأشخاص الملاحقة القضائية بتهمة الاحتيال بدلًا من السحر لأنه لم يعد يُعتقد أن الأفراد يمتلكون قوى خارقة للطبيعة أو يتاجرون مع الشيطان. وشملت محاكمة أفراد مثل الروحانيين والغجر.
كانت أغلب النساء اللائي اتهمن بممارسة السحر وتم حرقهن أو اعدامهن أو سجنهم من المثقفات والعالمات وصاحبات الرأي المتنور المعارض لتعسف الحكم الديني والكنيسة. وكان ذريعة للتخلص منهن، وهو مايشير له أغلب المؤرخيت الغربيين المعاصرين.