ناقد: السخرية جزء من التكنيك السردي لدى محسن يونس
عن المسيرة الإبداعية للروائي محسن يونس، تحدث الناقد فكري عمر عن رحلته المعرفية مع كتابات يونس وذلك خلال مناقشة رواية “فراش أبيض”.. في نادي القصة بالمنصورة.
السخرية جزء من التكنيك السردي لدي محسن يونس
وقال عمر: "أول معرفتي بالروائي محسن يونس كانت من خلال الكلمة. قرأت روايته "بيت الخلفة" بطبعة مكتبة الأسرة 2009. فاجأتني الرواية منذ فقرتها الأولى.
إيقاع اللغة جديد. الأسلوب غير التقليدي يناسب تمامًا حالة الشجن فيما أسماها "تعديدة روائية". غير أن الجديد فعلًا هو اكتشافي أن الروائي دائب التجريب في أعماله كلها. كنا تَعرَّفنا إنسانيًا، وهذا مكسب كبير.
فالكاتب محسن يونس ودود وخصوصًا لمن يُحس فهم نَفَس الإنسانية والإبداع. لا يبخل بالنصيحة والدعم والتحفيز. قراءته متمعنة. يدرك قيمة الكلمة ومراميها. كم تناقشنا في نصوصٍ أدبيةٍ، فقرأها ببصيرة لا تقف فقط عند الموضوع بل تربطه بالشكل الفني، لتكشف من خلاله درجة أصالته. حتى السخرية أحيانًا، وهي جزء من التكنيك السردي لدي محسن يونس، ليست من أجل التقليل من شخصٍ أو ظاهرةٍ ما. هي سخرية الذكاء والمحبة، فكثيرًا ما يلفت نظرك عبرها إلى ما في المُكرر، والعادي، والمألوف من ملل.
في قراءاتي لأعمال محسن يونس، رواية "بيت الخلفة" تطرح سؤالًا عن الانفتاح الاقتصادي، علاقته بتفكك الأسرة وتحلل العلاقات الاجتماعية.
وفي "حرامي الحلة"، سؤالها هو التاريخ والرواية (التاريخية)، فعلى حين تبدو روايات توصف بـ (التاريخية) يقف بعضها عند الوصف، أو التلخيص المباشر لحدث تاريخي، أو الإسقاط على الواقع الآني، فإن هذه الرواية تستشرف طريقة أدبية لرواية (تاريخية) تمتزج فيها الفانتازيا بالحدث، لترسم معنى ما يخص الشخصية التاريخية، وقراءة الماضي دون شرح أو إسقاط.
وتابع "عمر عن الكاتب محسن يونس لافتا إلي: أما في "الملك الوجه"، فنواجه فيها ملكًا له عين واحدة على جانب وجهه الأيسر، وله أذنا فيل. ملك مشوه ومضحك، لكنه يحمل عقلًا ذكيًا، ونفسًا ماكرة لئيمة تلعب بمصائر البشر، فتمزقها وتطيح بها كأي طفل يفعل بألعابه. كان سؤالها في اعتقادي عن الهامش الكبير عددًا وغير المؤثر، والمتن المحدود عددًا، لكن المؤثر في حياة الجميع.
إذا توقفنا قليلًا عند "سيرة جزيرة تدعى ديامو"، فإننا نعايش مكانًا وسط البحر. عالم صغير، لكنه كبير بالخيال، والتأويلات المتنوعة عبر حكايات منحوتة من مفردات الواقع، لكنها ليست الواقعية المباشرة، وممتلئة بصور الخيال، وليست في الآن ذاته هربًا من الواقع.
سنلتقي كثيرًا في هذه الرواية وغيرها بتداخل ضمائر السرد، والوصف الفني الذي يقدم لوحة، أو مشهدًا سينمائيًا عبر التركيز، والتحول، والتقطيع مع حضور لافت للحوار الداخلي الفردي، أو الجماعي.
واستكمل عمر: في "منام الظل" ثمة قنبلة موقوتة، ليست خاصة بالمخربين فقط، لكن أيضًا تلك القنبلة التي تلبد في الشق الواسع بين طبقتين اجتماعيتين: طبقة الثري (الإقطاعي)، وطبقة الخدم (الفقراء) الذين يخبئون تمردهم على الباشا وراء الأحلام التي يرونها أثناء النوم، يُسرِّون بها لبعضهم البعض، ولسان حالهم يقول: ليس لنا سيطرة على أحلامنا، لكنهم لا يدرون أن الأحلام أكبر تجسيدٍ لا واعٍ لرغبات النفس البشرية.
سؤال الخلود والفن في كتابات محسن يونس
أما عن رواية "فراش أبيض" للكاتب محسن يونس، فيشير فكر عمر إلي: سؤال الخلود والفن ما بين السلطة وأهلها، والفن وتلاميذه.
تلك وغيرها نقاط كبيرة. تفتح أفقًا أرحب أمام القارئ. كأنها تقارب حياتنا عبر أسلوب لا يستسلم لقالب واحد، ولا يستريح لجملة سبق سماعها، بل يقدم جديدًا عبر إيقاع فني يماهِ حياتنا شديدة التقلب والغموض.
مرة سألت الروائي محسن يونس: كيف تكتب القصة والرواية؟ هل يكون لديك فكرة كاملة عن الموضوع قبل أن تبدأ أم تترك الأمر كاملًا للمخيلة ؟" أجانبي بأن لديه جملة أثيرة.. "إنه لا يحب القفز في الظلام".
شرح الأمر تفصيلًا، فأخبرني أنه لا يبدأ من نقطة غائمة ملتبسة، بل يُكوِّم الفكرة وراء الأخرى ولو في قطع ورقية صغيرة، فإذا ما كان لأحدها امتداد ظل وراءها. يخطط تفاصيلها بروية، حتى تصل إلى كيان شبه مكتمل يستطيع التعامل معه، فيبدأ الكتابة، ولا يمنعه ذلك من ترك الفرصة لشخصية قد تظهر أحيانًا، لكنها تُعمِّق المخطط الأساسي، ولا تسحبه إلى شيء آخر مثل شخصية اللص في رواية "حرامي الحلة" التي ظهرت مع مراجعتها، وهو نفس ما أكده بالأمس مرة أخرى.
يخيل إلي أيضًا أن تفكيك الحكاية تيمة أساسية عند الروائي محسن يونس، فبواسطة تلك التقنية يتاح لنا أن نعيد النظر إلى تفاصيل حياتنا، وماضينا، حتى في أسئلة الفن نفسها؛ لتكون اليقظة وكسر أفق التوقع مرادفًا للإبداع، وهل الفن، كأنصع تجلٍ للحياة، إلا مرادفًا لليقظة العقلية والشعورية حتى وإن سعى إلى ذلك باللعب بالأخيلة، والصور، والأحلام.