رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خبير الاقتصاد السياسى كريم العمدة: لو توقفت المشروعات القومية ستزيد الديون وقد ندخل فى مرحلة ركود لا نخرج منها إلا بعد 10 سنوات

الدكتور كريم العمدة
الدكتور كريم العمدة

قال الدكتور كريم العمدة، خبير الاقتصاد السياسى، إن مصر خسرت خلال العامين الماضيين ١.١٪ من ناتجها المحلى بسبب المشكلات المستمرة فى المنطقة والعالم، التى تسببت فى انخفاض الاستثمارات الأجنبية وزيادة أعداد اللاجئين، مع تنامى الطلب بشكل غير المتوقع، ما أحدث نقصًا فى السلع وارتفاعًا فى الأسعار، تزامن مع تراجع إيرادات السياحة وقناة السويس تأثرًا بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، منوهًا إلى أن الاقتصاد المصرى كان يستعد لانطلاقة كبرى فى عام ٢٠١٩ لولا جائحة كورونا وما حدث بعدها من أزمات.

وأوضح «العمدة»، خلال حديثه لبرنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز على فضائية «إكسترا نيوز»، أن الحكومة المصرية بحاجة لوحدة تنبؤ بالأزمات، رغم أن مصر تقف دائمًا خلال أى أزمة على أرض صلبة، وتحسن إنفاقها على ملف التسليح والتحديث العسكرى، مع كونها الأقل إنفاقًا على هذا الملف بين دول الإقليم، منوهًا إلى أن المشروعات القومية وتطوير البنية التحتية ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها، خلافًا لما يردده البعض، لأن توقفها يعنى زيادة الديون واحتمالات الدخول فى ركود اقتصادى قد يصعب الخروج منه.

■ هل تؤثر الأزمات والحروب على استقرار الاقتصاد؟

- لا يمكن الفصل بين الحروب والإرهاب والاقتصاد، فالاقتصاد يتأثر بكل العوامل، لكن تتباين فى أن تأثيرها قد يكون مباشرًا على الدول الداخلة فى الصراع، فيما تتأثر دول أخرى بشكل غير مباشر.

والمؤشرات الاقتصادية لبعض الدول تقول إنها كان يمكن أن تحقق مكاسب فى الاقتصاد، أو تتحسن مؤشراتها فى المستقبل، لكن مع وجود الأزمة فإن مؤشراتها تزيد بشكل أقل، ما يمثل تراجعًا.

وبعض المواطنين هنا يقارنون أنفسهم بالدول الأوروبية أو الآسيوية، لكن الظروف الإقليمية تختلف من مكان لآخر.

■ كيف يتأثر اقتصاد الدول المجاورة للدول التى بها أزمة؟

- البنك الدولى أجرى دراسة عام ٢٠١٦ عن تأثير التوترات والحروب على الاقتصاد، وتناول إقليم الشرق الأوسط على وجه الخصوص، وقال فى دراسته إن الأزمات أثرت على دول بعينها، وحددها بأنها العراق واليمن وسوريا وليبيا.

وقال إن ٨٨ مليون شخص تأثروا بشكل مباشر، والعراق به ٤٠ مليون مواطن بحاجة لمساعدات عاجلة، ونصف سكان اليمن قد يمرون بمجاعة وبحاجة لمساعدات إنسانية، لكن الدراسة كشفت أيضًا عن تأثيرات غير مباشرة على مصر والأردن وتركيا، وبينت أن كل مواطن فى مصر والأردن وتركيا خسر ١.١٪ من الناتج المحلى؛ نتيجة تأثرات الإقليم وانخفاض الاستثمارات ووجود اللاجئين.

وحجم الاستثمارات الوافدة للدول العربية فى ٢٠٠٧ بلغ ٦٤ مليار دولار، إلا أن الاستثمارات تراجعت بعد ذلك بسبب أزمات الإقليم، ووصلت إلى ٢٢ مليار دولار تقريبًا، رغم أن الاستثمارات العالمية فى ٢٠١٥ كانت ٢.٧ تريليون دولار، وهو رقم كبير عالميًا.

■ لماذا تراجع حجم الاستثمارات فى المنطقة؟

- إقليم الشرق الأوسط فى عام ٢٠١٤ كان ملتهبًا، بسبب انتشار الإرهاب، حتى إن تنظيم «داعش» أصبح له دولة، واستولى على ثلث سوريا والعراق، مع سيطرة الحوثيين على صنعاء، وانقسام ليبيا لحكومتين، والإرهاب فى مصر، وكل ذلك أثر على اقتصادات الدول والاستثمارات الأجنبية.

وتراجع الاستثمارات الأجنبية يؤثر بالسلب على المواطن، لأن الاستثمار يعنى مزيدًا من فرص العمل والمشاريع والضرائب، ما أثر على رفاهية المواطن، التى يقصد بها الزيادة السنوية فى الناتج المحلى، التى تعنى زيادة السلع والخدمات، وألا يشكو المواطن من نقص الدقيق أو السكر أو الزيت، أو عدم زيادة أسعار السلع بشكل سنوى، ما يقلل من الرفاهية.

■ ماذا عن ملف التسليح من وجهة نظر اقتصادية؟ 

- التوترات وعدم الاستقرار الأمنى فى المنطقة يشعلان سباق التسلح، حتى عند الدول البعيدة عن الصراع.

وعام ٢٠١٥ كان الأعلى فى زيادة الإنفاق العسكرى كنسبة من الناتج المحلى، فحجم الإنفاق العسكرى فى الدول العربية بلغ ٤٪ قبل عام ٢٠١١، ثم قفز فى ٢٠١٥ إلى ٦.٥٪، وهو رقم كبير، أما فى عام ٢٠٢٢ فانخفض إلى ٤.٧٪، وكانت أعلى الدول فى الإنفاق العسكرى هى دول الخليج، حيث بلغ الإنفاق العسكرى فى السعودية ٧.٥٪، وفى قطر ٧٪، والإمارات ٥٪، وفى الأردن والجزائر والكويت ٤.٧٥٪.

والمفاجأة أن مصر كانت الأدنى فى الإنفاق العسكرى بنسبة ١.١٪ من الناتج المحلى، وأعلى إنفاق عسكرى لمصر كان فى ٢٠٠٢، وكانت نسبته ٣٪، ثم تراجع المؤشر، ما يعنى أننا رغم كل إمكاناتنا العسكرية المذهلة، لكننا الأقل إنفاقًا فى المنطقة، لأن أقل دولة تنفق ٣ أضعاف ما تنفقه مصر على التسليح.

ورغم أن مصر الأقل بين الدول المحيطة فى الإنفاق العسكرى، فإنها أحسنت استغلال هذا الإنفاق على أكمل وجه، ما انعكس بالإيجاب على الاقتصاد.

وإجمالى الاستثمارات التى دخلت مصر فى الفترة الأخيرة بلغ ١٢٠ مليار دولار، وهذه الاستثمارات المتراكمة تحتاج إلى جيش قوى يحميها، لأن مصر لها مصالح اقتصادية فى البحر المتوسط والبحر الأحمر، وكل هذا يحتاج لسلاح بحرى قوى يحميها، والإنفاق على التسليح هنا ضرورة وليس رفاهية، فى ظل المعطيات المحيطة بالمنطقة، لأن امتلاك قوة عسكرية رادعة هدفه حماية الاستثمارات وآبار الغاز والبترول والأمن القومى.

■ هل جائحة «كورونا» والحرب الروسية الأوكرانية وحرب غزة شماعات لتراجع الاقتصاد؟

- كل شىء يؤثر فى الاقتصاد، حتى وجود اللاجئين يؤثر على الاقتصاد، فمثلًا فى العام الماضى والعام الجارى شهدنا مشكلة فى نقص بعض السلع، لأنه حصل طلب غير عادى على السلع الاستراتيجية فى مصر بسبب اللاجئين، وهو طلب غير متوقع.

والاقتصاد المصرى كان يستعد لانطلاقة كبيرة عام ٢٠١٩، لكن جاءت جائحة كورونا، ومن بعدها الحرب الروسية الأوكرانية والحرب فى غزة.

ومن ناحيتى أرى أن الحكومة والوزارات مثل لاعبى الكرة، لا بد من الضغط عليهم حتى يبذلوا أقصى ما لديهم، ويؤخذ على الحكومة أنها ليست لديها وحدة تنبؤ بالأزمة، فالعالم لن يخلو من أزمات، والأزمات حدثت وستحدث، وأى حكومة يجب أن تضع فى اعتبارها حدوث الأزمات.

ورغم ذلك، فسجل مصر فى الأزمات هى أنها دائمًا تقف على أرض ثابتة، وبعض الأزمات مرت ولم نشعر بها، مثل الأزمة الاقتصادية فى ٢٠١٣، وأزمة كورونا تكاد تكون مرت دون الشعور بها اقتصاديًا، ومصر مرت فى آخر ١٠ سنوات بأزمات محلية وداخلية متتالية، والاقتصاد المصرى فى ٢٠١٩ كان مهيئًا للصعود، ولولا كورونا كنا سنحقق معدل نمو مرتفعًا وفائضًا دولاريًا عام ٢٠٢٠.

■ ماذا عن تأثير الأزمة فى السودان؟

- الدولة المصرية كانت تستورد بعض السلع المهمة من السودان، مثل اللحوم، وكان أغلب حركة التجارة المصرية من اللحوم مع السودان، لذا تأثرت أسعار اللحوم بشكل كبير فى الآونة الماضية، فضلًا عن تأثر صادرات مصر للسودان من مواد البناء والتشييد والسلع الكيماوية، بالإضافة إلى الأجهزة الكهربائية وأدوات المطبخ وغيرها.

وحركة التجارة مع السودان تعطلت كثيرًا بعد الأزمة الأخيرة، خاصة اللحوم السودانية التى كان الشعب المصرى يعتاد عليها بشكل كبير، ولكن منذ حوالى عامين تأثرت أسواق اللحوم فى مصر بشكل ملحوظ للغاية.

وكانت هناك أيضًا مشروعات مشتركة مع السودان تأثرت بشكل كبير، والأمر تكرر مرة أخرى منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

■ وتأثير الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؟

- قطاع السياحة المصرى كان الأكثر تأثرًا هذه المرة، فالأحداث فى غزة أثرت على السياحة الوافدة إلى مصر التى تعد موردًا دولاريًا مهمًا للغاية، وذلك فى الوقت الذى كانت تنتظر فيه مصر موسمًا سياحيًا متميزًا، بعد أن ألغى العديد من الأفواج السياحية رحلاته إلى مصر، خوفًا مما يحدث داخل الأراضى الفلسطينية.

والسياحة تأثرت أيضًا بشكل ملحوظ منذ الحرب الروسية الأوكرانية، خاصة أن مصر تعتمد بشكل كبير على السياح من دولتى روسيا وأوكرانيا، لكننا نجحنا فى تعويض ذلك من دول أخرى فى أوروبا وآسيا، إلا أن أحداث غزة أثرت على السياحة مرة أخرى، ولم تكن مصر هى الدولة الوحيدة التى تأثرت بالأزمة، بل وصلت تداعياتها إلى الأردن ولبنان.

والأمر الأخطر من ذلك هو تأثر إيرادات قناة السويس بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، خاصة حركة الملاحة التى تعرضت لعمليات تهديد من قِبل الحوثيين فى البحر الأحمر، كما أن هناك أكثر من ٣٠ ألف سفينة سنويًا تدخل البحر الأحمر، وأغلبها يمر عبر قناة السويس، وتأثر نشاطها بسبب التوترات فى المنطقة.

■ ما آثار الحروب والنزاعات فى دول أوروبا على الداخل المصرى؟

- جميع دول العالم مرتبط ببعضه من الجانب الاقتصادى، كما أن الرصاصة التى تضرب من روسيا لأوكرنيا يمكن أن تحدث فارقًا فى سعر الخبز المصرى، والدول الكبرى نفسها تتأثر بذلك، رغم أنها دول مشاركة فى صنع الأزمة، والمفترض أن تكون لديها توقعات بشأن تداعياتها، ولكن التأثير يصل إليها بشكل آخر.

وفى عامى ١٩٨١ و١٩٨٢ حدثت أزمة دولارية فى مصر بسبب ارتفاع أسعار البترول، وفى عام ١٩٨٦ حدثت أزمة مماثلة أيضًا؛ لأن مصر كانت دولة مصدرة للبترول، وهذا أثر على العوائد الدولارية للدولة المصرية فى ذلك الوقت.

وفى عام ١٩٩١ كانت مصر على حافة الإفلاس جراء تراكم هذه الأزمات، حتى حدثت حرب الخليج وأنقذت الدولة المصرية من هذه الأزمة، حين تم إسقاط الديون، وخطت مصر خطوات اقتصادية إلى الأمام، وتحسنت المؤشرات الاقتصادية بشكل كبير حتى وصلنا إلى عام ٢٠٠٣، الذى شهد أزمة دولارية جديدة عقب قفزة فى سعر صرف الدولار الذى انتقل من ٣ إلى ٧ جنيهات.

ولم يكن سعر الدولار ثابتًا أبدًا فى مصر، لكن نستطيع تجاوز الأزمات التى نتعرض لها من خلال الوعى المجتمعى وتعظيم قيمة العمل والإنتاج، كما أنه من الضرورى أن نهتم بالإنفاق على البحث العلمى والتكنولوجيا لمواجهة الأزمات التى نتعرض لها من حين لآخر.

وقد لاحظنا مؤخرًا أن حروب الجيل الرابع تؤثر سلبًا على الاقتصاد؛ بسبب سهولة ترويج الشائعات عبر منصات التواصل الاجتماعى المختلفة، إضافة إلى أن مقاطعة المنتجات الأجنبية التى تصنع فى مصر تؤثر سلبًا على الاقتصاد وجذب الاستثمارات.

والمستثمر يأتى لأى دولة؛ ليعمل وينتج ويبيع السلعة الخاصة به، ويحسن من منتجه ويصدره للأسواق الأخرى، وبالتالى فإن هدفه الربح فى المقام الأول، وهو لا يريد الدخول فى متاهات، لذلك دائمًا ما نقول إن «رأس المال جبان».

والدولة المصرية فى حاجة إلى الاستثمارات خاصة الأجنبية، والاستثمار الأوروبى والآسيوى فى غاية الأهمية؛ لأنه يعمل على توطين التكنولوجيا، لذا المقاطعة سلاح، لكن لا بد من التحكم فيه، لأنها أمر يحتاج إلى إدارة، وغالبًا ما تأتى المقاطعة بأثر سلبى فى ظل انعدام الإدارة. 

والمقاطعة ليست لها إدارة ولن تكون لها إدارة مستقبلًا، لأنها ناجمة عن أفراد يتحركون وفقًا لعواطفهم، لكن من الممكن أن يتم توجيه رسالة للحكومة بتوفير اللحوم والبروتينات بأسعار مناسبة للمواطنين، وبالتالى تبحث الحكومة عن حلول.

■ ما رؤيتك لإدارة الحكومة المشهد فى ظل الأزمات المتعاقبة التى تتوارد عليها؟ 

- نحن فى دولة عدد سكانها كثير، فوق المائة مليون، وهذا عدد سكان ضخم وفى تزايد مستمر، وبالتالى نحن فى حاجة لعمل دءوب ومستمر لا يتوقف، ونحن قبل ذلك كنا نعمل فى المشاريع القومية، التى كانت لها انعكاسات جيدة جدًا على الاقتصاد، وعلى معدل النمو وعلى توسيع الاستثمار، لذا أنا أدعم مشروعات البنية التحتية وأنادى بعدم توقفها حتى فى الأزمات.

■ كيف ترى الدعوات المطالبة بإيقاف المشروعات القومية فى ظل الأزمات، مثل الحروب وأزمة الدولار، على سبيل المثال؟ 

- تتسبب مثل هذه الدعوات فى زيادة الأزمة، فهم ربطوا بين الديون والمشروعات القومية، ففى حال توقفت المشروعات ستزيد الديون، لأن المشروعات تستخدمها الحكومات وقت الركود؛ لتنفيذ حراك اقتصادى وزيادة معدل النمو الذى يعمل بدوره على زيادة حجم الناتج المحلى، ومن ثم يتم حساب الديون بالنسبة إلى الناتج المحلى، فإذا كانت نسبة الدين مرتفعة يكون هذا مؤشرًا خطرًا، وعندما تقل الديون يصبح مؤشرًا جيدًا، وعندما تتوقف المشروعات القومية يقل معدل النمو، وبالتالى يدخل الاقتصاد فى مرحلة الركود، ومن ثم إلى انكماش، وفى حال دخول الدولة فى هذه المرحلة، من الممكن ألا تخرج منها ولو بعد ١٠ سنوات.

المشروعات القومية، دون نقاش، هى محرك أساسى للاقتصاد المصرى، وتجذب الاستثمارات وتشغل القطاع الخاص، وما يقال بشأن المطالبة بوقف المشروعات القومية هو نتيجة عدم حسابات وعدم دراسات، فالحديث فى الاقتصاد مرتبط بالدراسات والأبحاث والإحصائيات، كما أن كل مواطن وكل محافظة لها أولوياتها من المشروعات القومية.

كما أن القروض مرتبطة بالمشاريع، فإذا لم تقم بتنفيذ مشروع معين لن يأتيك القرض، فكل مؤسسة تمويل تعطى قرضًا لغرض معين، وبالتالى فإن سياسة القروض التى تتبعها الدولة المصرية هى سياسة فى محلها. 

ودائمًا وأبدًا يتم التعامل مع القروض بدقة وحرص، مع مراعاة ما إذا كانت هذه القروض تم إنفاقها على بنية تحتية واستثمارية يتم استخدامها والاستفادة منها، وهل تشجع الاستثمار أم لا، وبالتالى فإن الحديث فى الاقتصاد يكون وفقًا للحسابات والدراسات والاستراتيجيات، لأن الاقتصاد هو حديث علم، وليس حديث الهواة ولا العامة، لأن حديث المواطن فيه يظل عاطفيًا، وبالتالى لا بد من توضيح ذلك طيلة الوقت، لأن الثقافة الاقتصادية الشعبية لها تأثير كبير جدًا على الاستهلاك الذى يعد محرك الطلب.

والمستثمر يستثمر فى مصر بناء على ما يتم استهلاكه فيها، حيث يعمل على تشغيل المصانع وتسليم الإنتاج الذى يستهلكه المواطن بدوره، لأن مصر تعتبر سوقًا كبيرة وعملاقة، على سبيل المثال يأتى المستثمرون إلى مصر لبناء مدن صناعية، والصين وروسيا تفعلان ذلك، وأكبر مدينة صناعية صينية وروسية خارج أراضيهما، موجودة فى مصر.

والثقافة الاقتصادية الشعبية تؤثر على الاستهلاك وتكسب المواطنين سلوكًا استهلاكيًا مصابًا بالسعار، وهو ما يؤدى إلى ارتفاع الأسعار، وبالتالى يجب العمل على ضبط الثقافة الاستهلاكية الشعبية.

كما أن التقليد والمحاكاة يؤثران أيضًا على الاستهلاك، على سبيل المثال سمعت أن أسعار أحد التليفونات المحمولة وصلت إلى ٦٠ أو ٧٠ ألف جنيه، وهو سعر باهظ جدًا، فهل حياة المواطن المادية والاجتماعية تسمح باقتناء هذه النوعية من السلع؟، وأغلب الناس لا تسمح حالاتهم بذلك، وبالتالى فإن التقليد والمحاكاة و«المنظرة غير المبررة»، تؤثر بشكل كبير جدًا على الاقتصاد لأنها تنعكس على معدل الادخار، فكلما زاد الادخار كانت القدرة على الاستثمار أكبر، وبالتالى نحن فى حاجة إلى ثقافة اقتصادية شعبية صحيحة؛ لأنها تساعد المواطن على تفهم الأوضاع، وبالتالى يتمكن من ضبط سلوكه، ومن ثم المساهمة فى حل المشكلة. 

■ كيف يتعامل صندوق النقد الدولى مع مصر فى ظل التغيرات الجيوسياسية بالمنطقة؟

- الموارد الدولارية للدولة المصرية كانت تلبى احتياجات الدولة فى السنوات الماضية، وكانت مصر تعتمد على ٥ موارد أساسية «صادرات، وتحويلات المصريين بالخارج، وقناة السويس، واستثمار أجنبى مباشر، وواردات»، التى كان يتم تجميعها بشكل دورى، لكن الأزمة الكبرى كانت بشأن الواردات اللازمة لتلبية الالتزامات الأساسية من الفوائد والأقساط والديون.

وبمجرد أن شعر مجتمع المال والأعمال والمستثمرون بملامح أزمة، يمكن أن تتأثر بها الأسواق الناشئة، سرعان ما عملوا على سحب أموالهم من تلك الأسواق، وبسبب ذلك الأمر بدأت الدول فى رفع أسعار الفائدة لديها.

ومنذ ظهور أزمة جائحة كورونا حتى الحرب الروسية الأوكرانية، ثم الحرب الإسرائيلية فى غزة، ظهر التأثير المتراكم للأزمات والعوائد الدولارية، لذلك خاطبت مصر صندوق الدولى لرفع سعر القرض الخاص بنا، وأوضحت أن هناك تغيرات جيوسياسية فى الإقليم ليست لنا علاقة بها، ومؤسسات التمويل الدولية تراعى هذه التفاصيل بشكل جيد، وذلك اتضح من خلال تقدير صندوق النقد الدولى الموقف المصرى فى هذه الأزمات.