أمانى عزالدين: مصطفى البلكى استطاع تحويل القضايا الكبرى إلى تجارب شخصية
تحدثت الكاتبة أماني عزالدين عن الأثر النفسي العميق الذي تتركه رواية "سبع حركات للقسوة" في نفس المتلقي، وذلك خلال مناقشة الرواية بمركز الحرية للإبداع الفني.
مصطفى البلكى استطاع تحويل القضايا الكبرى إلى تجارب شخصية
وقالت "عزالدين": في روايته "سبع حركات للقسوة"، يبرع الكاتب مصطفى البلكي في نسج خيوط الزمن والمكان والشخصيات، بأسلوب يتجلى فيه الصراعات الإنسانية بأعمق صورها، يتجاوز الكاتب هنا السطحيات، مستعينًا بحكمة محايدة تنقل القارئ إلى عوالم من التأمل في معاني الحرب والسلام بوعي داخلي متجدد، تتجلى في هذه التقنية قدرته على تحويل القضايا الكبرى إلى تجارب شخصية، ما يغمر القارئ في بحر من التحليل والتفكر، بعيدًا عن الأحكام المتعجلة والانطباعات السريعة، ليبقى متصلًا بجوهر الإنسان وتجاربه.
وأوضحت "عزالدين": عند انتهائي من الرواية وجدت نفسي عاجزة عن كتابة أي كلمة، إذ كانت مشاعري في حالة من الاضطراب والثورة. احتجت لفترة من الوقت لاستعادة هدوئي، فالرواية قد حركت في نفسي أمواجًا عاتية من المشاعر المتشابكة ما بين الألم والقسوة والذهول أحيانا.
وأردفت: في البداية أتساءل: أليس من الجائر أن تفزعنا بحركة واحدة من القسوة؟ فما بالك بسبع حركات تتوالى علينا كصفعات متتابعة، كل واحدة منها أشد إيلامًا من سابقتها، لا تترك لنا فسحة للتنفس أو الهروب.
من بين أكثر حركات القسوة التي أثرت في نفسي بشدة كانت قدرة الحرب على العبث بوجدان الإنسان، محو ذكرياته وزرع العزلة داخله، بينه وبين ذاته ومجتمعه. كذلك الموت الذي يحصد الأرواح دون تمييز، يجمع بين الصغير والكبير، الرجل والمرأة على حد سواء. في رأيي، تاريخ الحرب الحقيقي ليس ما يسطره المؤرخون، بل ما يرويه لنا حراس التاريخ، أولئك الذين عايشوا ويلات الحرب وتجمدت بهم الحياة عند لحظة معينة.
وأضافت "عزالدين": هنا في رواية "سبع حركات للقسوة" أبدع الكاتب في التنقل بنا بين المتناقضات بهدوء حذر، فكأنه يقدم لنا كل حركة من حركات القسوة مرفقة بشعور مضاد لها، ربما كنوع من إبراء الذمة تجاه القارئ. كان الجمع بين الموت والرغبة في البقاء على قيد الحياة مثالًا على هذا التوازن المتقن. جملة في بداية الرواية استوقفتني وأثارت بداخلي تساؤلات عديدة "ما الذي يدفع بعض الرجال إلى قتل بعضهم البعض؟" لم أجد إجابة ترضي ضميري، فالحرب لا تبرير لها في نظري، والكلمة المضادة للحرب هي الأمان. بصفتي امرأة، أعلم جيدًا قيمة الشعور بالأمان.
الحرب تعيد الإنسان إلى بداياته البدائية
وأوضحت "عزالدين": على الرغم من سنوات عمري الطويلة إلا أنني لم أعش ويلات الحرب، لكني رأيتها تدمر شعوبًا وبلدانًا، حتى باتت صورة الحرب كابوسًا لا أتمناه.. الحرب تعيد الإنسان إلى بداياته البدائية، حيث يصبح جلب الماء والطعام هو الهم الأول، وتفقده كل رفاهية. الحرب هي أن نطعم الأطفال ما نسد به رمقهم لا أن نشعرهم بالشبع. الحرب تفقد الإنسان ادميته، تفتك بإنسانيته، وتخلق في داخله عالمًا مظلمًا مضطربًا، إنها ليست مجرد قذف وهدم، بل ضياع ونفاد لكل شيء.
وأكدت "عزالدين": العديد من الكتاب حاولوا اختراق عالم المرأة، لكن قلة منهم تمكنوا من التعبير عن جوهرها بعمق، عن مشاعرها الخاصة، عن غضبها ورغبتها في الانتقام. في "سبع حركات للقسوة"، نجح الكاتب في تجسيد مشاعر بطلة العمل المتضاربة ولحظاتها القاسية، في قوتها وضعفها، في رحمتها ورغبتها في الانتقام، بصورة أدبية بديعة تجعلك تشعر بكل نبضة من قلبها وكأنك تعيش تلك اللحظات بنفسك. في ساحات الحرب، لا يوجد منتصر، الجميع خاسرون. وأكثر من يعاني من ويلات الحرب هم الأطفال والنساء والعجائز، بينما تُقهر شجاعة الرجال بدافع الانتقام.