د. أكرم السيسى أستاذ اللغات والترجمة: تديين القضية الفلسطينية حوّل الأمر إلى أزمة عقائدية وليس حقًا فى الأرض المحتلة
- قال إن ما حدث بعد 7 أكتوبر نقلة نوعية ومرحلة جديدة تحتاج موقفًا عربيًا وفلسطينيًا موحدًا
- التعامل المصرى مع العدوان الإسرائيلى تم وفق خطة ثابتة وأكد خطوط مصر الحمراء تجاه القضية
- إسرائيل طفل مدلل لا يقبل التفاوض والحرب أظهرت وجهها القبيح حتى أمام الغرب نفسه
- المسئولون فى الغرب يخشون انتقاد إسرائيل بعد الحرب الإعلامية ضد رئيس الوزراء الإسبانى
قال الدكتور أكرم السيسى، الأستاذ المتفرغ بكلية اللغات والترجمة قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة القاهرة، إن ما حدث بعد عملية ٧ أكتوبر يعد نقلة نوعية فى الصراع العربى الإسرائيلى، ومرحلة جديدة للقضية الفلسطينية، تحتاج إلى موقف عربى وفلسطينى موحد، يفاجئ الآخر بحلول جديدة، موضحًا أن تديين القضية الفلسطينية أضر بها، وحوّلها إلى أزمة عقائدية وليست حقًا للفلسطينيين فى أرضهم المحتلة.
وأوضح أستاذ اللغات والترجمة، خلال حديثه لبرنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز على فضائية «إكسترا نيوز»، أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة كشفت عن الوجه القبيح لإسرائيل أمام العالم كله، وأظهرت حقيقتها ككيان مريض ونموذج للعُقد النفسية فى تعامله أمام الغرب كضحية وتعامله السادى مع الشعب الفلسطينى، وقتل النساء والأطفال والشيوخ، ما تسبب فى خروج المظاهرات ضده، حتى فى دول الغرب نفسها، للتنديد بما يرتكبه هذا الكيان من جرائم وحشية ولا إنسانية.
وأشار إلى أن الصهيونية نجحت فى إقناع الغرب بعقدة الذنب تجاه إسرائيل، كما نجحت، عبر سيطرتها على السياسة والاقتصاد والإعلام، فى التلاعب باللغة والمفاهيم، وتشويه السياسيين الذين يحاولون انتقادها، مؤكدًا أن تورط إيران فى القضية الفلسطينية ألقى بطوق النجاة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وجعله قادرًا على استكمال حربه الوحشية ضد الفلسطينيين تحت حماية العالم.
■ يُرجع البعض الهجمات الإسرائيلية العنيفة والشرسة على الفلسطينيين حاليًا إلى قوة الضربة فى ٧ أكتوبر.. لكن ألا ترى أنها تعبّر أولًا عن السمات النفسية لإسرائيل؟
- التكوين النفسى لإسرائيل تستطيع أن تشبهه بكيان هو نموذج للعقد والأمراض النفسية، من الهستيريا والشيزوفرينيا والسادية والنرجسية، فهو كيان مختلق بطريقة غريبة جدًا.
والعالم الجليل جمال حمدان قال إن الإنسان قطعة من الأرض الخاصة به، الأرض الأوروبية تنعكس على المواطن الأوروبى، والمصرية تنعكس على المواطن المصرى وهكذا، لكن إسرائيل كيان غريب لا يمكن أن يستمر، لأن الطبيعة سترفضه، ولأنه يعارك طواحين الطبيعة والهواء.
وهذا الكيان غريب عن المكان الموجود فيه، فهو لا يفهم طبيعة المكان، لأنه زُرع هناك بعقلية غربية استعمارية تدافع عنه باستماتة، لكنه لغرابته ستكون له نهاية، فهو لا يمكن أن يتطبع مع هذه الأرض، لأنه جسم غريب زُرع فيها.
وتفسير السلوك الحاصل الآن هو أنه يظهر نرجسية إسرائيل، فالنرجسى يرى نفسه أنه الأفضل فى العالم، وليس له مثيل، ويريد أن يكون الأوحد والأقوى والأعظم والأجمل، ويقضى على كل من يريد أن يشاركه أو يقترب منه، وهذا مرض، لأن النرجسى يكره نفسه فى الحقيقة ويجعل الآخر يكرهه، وهو يعيش فى عذاب، وينتهى بانتهائه.
وكذلك تعانى إسرائيل من الشيزوفرينيا، وهو ما يظهر بوضوح فى سلوكها، وهذا مرض لمن يمتلك شخصيتين، فالإسرائيلى يتعامل مع الغرب على أنه ضحية، ويتعامل مع من يعيش معه بقسوة وعداوة، وهو من الأساس يبحث عن موقف يعيش فيه كضحية وكمظلوم، ليذهب للقوى ويقول له إنه ضعيف، رغم أنه لو جلس مع من يجاوره وحاول أن يتعايش معه سيتفهم عاداته ويعيش بسلام، لكنه يعانى من مرض نفسى دائمًا، يظهر فى الأنانية المطلقة، ورفض الشراكات.
■ هل هذا التكوين هو ما جعل العالم يتعامل مع إسرائيل على أنها طفل مدلل؟
- لأن إسرائيل خُلقت بطريقة غير طبيعية، فالإسرائيليون يشعرون بأنهم غير أسوياء، ولا بد أن يدافعوا عن أنفسهم، لأنهم يعرفون أنه سيكون لهم أعداء فيقومون بالمستحيل لمواجهة الآخر والتسبب فى ألمه، ولا يقبلون التفاهم أو التفاوض، بل يريدون فقط ما يدور فى عقلهم، كطفل مدلل، وهذه كارثة، لأن إسرائيل كيان تم صنعه وإفساده، وهو يحارب من أجل بقائه، ويهاجم لأنه يشعر بأنه فى مكان ليس مكانه، ويحصل على حقوق ليست حقوقه.
ولذلك تحارب إسرائيل وتهاجم الآخر، وتتوهم أنها لو قتلت البشر كلهم سترتاح، وهذا فكر خاطئ، فهى لن تستطيع أن تقتل الجميع ولن تستطيع أن ترتاح، لأن تكوينها من الأساس شاذ وغير طبيعى، فهى قد جاءت بوعد بلفور، الذى أعطى فيه من لا يملك لمن لا يستحق، وهى نتاج للاستعمار البريطانى الخبيث، الذى كان يزرع التفرقة والخيانة والفتن، كما حدث بزراعته إسرائيل وجماعة الإخوان فى عام ١٩٢٨.
■ هل فقد الغرب عقله وضميره ليقدم كل هذا الدعم للكيان الإسرائيلى؟
- الصهيونية نجحت فى إقناع الغرب بأنها ضحية، وإلى الآن هى تبتزه وبالذات ألمانيا، ففيها لا يستطيع أى مسئول، كبيرًا كان أو صغيرًا، أن يعطى أى إشارة لنقد إسرائيل، بعد أن خلقت لديهم عقدة ذنب، فهم أساتذة فى ذلك.
والصهيونية العالمية تسيطر على أدوات كثيرة، وتتحكم فى مفاصل السياسة والاقتصاد، وتتلاعب باللغة، وتخلق نصوصًا لإقناع الطرف الآخر بما تريد، وتستخدم أيضًا السينما والفنون للتأثير على الأطفال، وزرع مفاهيم جديدة لديهم، مثل تلك الخاصة بالمثلية الجنسية، عبر الرسوم الكاريكاتيرية والمتحركة، لإقناعهم بأفكارها منذ الصغر، وكل ذلك يتم تنفيذه عبر اللغة والبرمجة الذهنية.
■ كيف تقيّم تناول الإعلام الغربى للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؟
- الإعلام الغربى فى مأزق كبير للغاية فى الوقت الراهن، خاصة أنه يرفع دومًا راية حقوق الإنسان والديمقراطية وقيم المهنية، لكن ازدواجية المعايير التى مارسها مؤخرًا خلال تغطية الأزمة الفلسطينية الراهنة فضحته بشدة.
ونحن الآن أمام موقفين متشابهين، هما هجوم روسيا على أوكرانيا، الذى اعتبر فيه الإعلام الغربى أن روسيا دولة محتلة، وفى ثوانٍ معدودات وقف العالم الغربى أجمعه ضد روسيا، واتخذ ضدها قرارات قاسية للغاية، سواء اقتصاديًا أو سياسيًا أو عسكريًا، فضلًا عن تقديم الدعم الكبير لأوكرانيا فى ظل الحرب.
وفى موقف مشابه تمامًا لما حدث فى أوكرانيا، والمتواجد بالفعل منذ ٧٠ عامًا، وحين وقعت أحداث السابع من أكتوبر الماضى، رأينا وجهًا آخر للإعلام الغربى، فأصبح يساند ويقدم الدعم الكامل للدولة المحتلة «إسرائيل» على حساب الدولة المظلومة «فلسطين»، كما أدان المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطينى، وهنا ظهرت الازدواجية السيئة لدى تلك المؤسسات.
وظهر ذلك أيضًا فى التعامل مع رئيس الوزراء الإسبانى، الذى أوقف مؤخرًا كل أعماله؛ بسبب الأقاويل المنتشرة حول ممارسة زوجته أعمالًا حرة وتزايد الشبهات حولها، وبالتأكيد فإن توقيت تلك الأقاويل لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتاجًا لممارسات صهيونية، فى أعقاب زيارته معبر رفح، بعد أيام قليلة من أحداث السابع من أكتوبر، حين اجتمع الرئيس عبدالفتاح السيسى به، وبرئيس وزراء بلجيكا، وأعلنوا اعترافهم الكامل بفلسطين كدولة مستقلة.
وما تعرض له رئيس الوزراء الإسبانى كان عقابًا لما صرّح به، لذا فجميع المسئولين فى الغرب يخافون الآن من الحديث الصريح عن الأزمة الفلسطينية، ويحاولون أن يستخدموا فى تصريحاتهم مصطلحات لا تسبب لهم أزمات سياسية.
■ كيف ترى قضية تديين الصراع الإسرائيلى العربى؟
- أمنية إسرائيل فى الوقت الحالى هى أن يتحول صراعها إلى صراع دينى، وهى تسعى لذلك طوال الوقت؛ لأنها دولة دينية يهودية، تبحث عن الصراع مع الدول والعقائد الأخرى.
والتاريخ كله يقول لنا إن أى التفاف سياسى دينى أو دخول للسياسة فى الدين لا بد أن تكون نهايته سيئة للغاية؛ لأن الدين ثوابت والسياسة متغيرات، وثوابت الدين لا يمكن التلاعب فيها، أما متغيرات السياسة فلا تبقى على حال واحدة.
وحين يتم خلط الدين بالسياسة، تلقائيًا ما يخسر هو الدين فى هذه المعركة؛ لأن الدين مقدس، وبدأت هذه الإشكالية تتضح لدينا منذ زمن الفتنة الكبرى، حين تم رفع المصاحف على أسنة الرماح، وتسبب ذلك فى خسارة معركة «صفين»، بين جيش على بن أبى طالب وجيش معاوية بن أبى سفيان.
■ ماذا خسرت القضية الفلسطينية من تديين الصراع؟
- تديين القضية الفلسطينية حوّل الأمر إلى أزمة عقائدية، وليس حقًا فى الأرض المحتلة، فالمواطن الفلسطينى يقول إن هذه الأرض هى حقه، والمستعمر الذى أتى إليها يغتصبها، وعلى الجانب الآخر يحوّل الكيان الصهيونى المسألة إلى أمر عقائدى، من خلال الإشارة إلى أن هذه هى أرض الميعاد.
وقد استطاع الاحتلال الإسرائيلى من خلال هذا النهج أن يخلط الأمور ببعضها، وسرعان ما وقعنا فى الفخ، من خلال تديين القضية والحديث عن فلسطين فى الإسلام.
■ هل وقعت إيران أيضًا فى هذا الفخ الإسرائيلى أم أنها كانت جزءًا من اللعبة؟
- تورط إيران ألقى طوق النجاة لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وساعده على استكمال حرب غزة تحت حماية العالم، بعد أن أوقع بالإيرانيين فى ذلك الفخ بنجاح، حين ضرب القنصلية الإيرانية فى سوريا، وردت إيران بالضربات على إسرائيل، وبعدها ظهر لجميع دول العالم أن إسرائيل ضحية وأن الجميع يقف ضدها.
والإسرائيليون أناس لديهم القدرة على اللعب بالسياسة بشكل كبير، ويعرفون الطبيعة الشرقية الانفعالية، ويعملون وفق سيناريوهات متعددة وخيالية، فى حين أننا لا نملك سيناريوهات مستقبلية.
■ فى رأيك.. ما أكبر خسارة تعرضت لها إسرائيل بعد ٧ أكتوبر؟
- إسرائيل لم تنتصر إلا فى معركة واحدة، هى حرب ١٩٦٧، وكان انتصارًا مصطنعًا، فللأسف الشديد لم يدخل الجيش المصرى هذه الحرب، فالجيش الإسرائيلى تمت هزيمته فى ١٩٤٨، وفى ١٩٥٦، كما أن الجيش المصرى انتصر عندما دخل الحرب فى ٦ أكتوبر ١٩٧٣، أى أن الجيش الإسرائيلى انهزم فى كل معاركه، حتى فى المعارك مع «حزب الله» اللبنانى، وانتصاره الوحيد كان بالخديعة وفى لحظة غفلة، فى عام ١٩٦٧.
وما حدث بعد ٧ أكتوبر أظهر الوجه القبيح لإسرائيل، ليس فقط فى الشرق ولكن أيضًا فى الغرب وأوروبا، ونحن نرى الآن ما يفعله طلاب الجامعات الأمريكية فى مظاهراتهم، التى تمنعها الدول الديمقراطية حاليًا وتتعامل معها بعنف شديد.
■ كيف ترى التعامل المصرى مع أزمة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؟
- مصر من الناحية الرسمية، والحق يُقال، تتبع خطة ثابتة، أعلنت من خلالها عن خطوطها الحمراء للعدو، وأكدت أن سيناء مصرية وأنه لا يمكن التفريط فى حبة رمل واحدة منها، وأوضحت أن القضية الفلسطينية شأن فلسطينى عربى قومى، ولا بد لكل العالم العربى أن يشترك فيه، لا مصر وحدها.
والخطة السياسية المصرية واضحة وليس فيها أى لبس، وإسرائيل أرادت أكثر من مرة أن توقع بمصر، عبر محاولات الاستفزاز وإلقاء الاتهامات، لكنها لم تنجح فى ذلك.
■ كيف ترى مستقبل إسرائيل فى ظل ممارساتها وتركيبتها الخاصة؟
- من واقع ما سمعته وقرأته فى التحليلات والصحف الأجنبية، فإن ما يحدث حاليًا يعد مرحلة جديدة ونقلة نوعية، لكنها ستستغرق بعض الوقت، فالغرب وأمريكا لن يسمحا لإسرائيل بأن تستمر فى هذا الأداء والمسلك، والاستمرار فى نهجها الانتقامى الحالى، خاصة أنه انتقام وحشى وغير إنسانى بالمرة، ويمكن وصفه بأنه حالة من الجنون والهستيريا.
والغرب حاليًا لا يريد أن يدخل فى صراع بين الشرق والغرب، فهو صراع خطر، والشعوب بدأت تتذمر منه، ولا أحد كان يتوقع أن يخرج الناس فى الولايات المتحدة وإنجلترا وألمانيا فى تظاهرات بالملايين لرفض جرائم إسرائيل فى غزة.
وهذه النقلة النوعية الجديدة تتطلب تكتيكًا معينًا، وأن تعى الأمة العربية نفسها جيدًا، وأن يكون هناك موقف عربى موحد، مع الاستعداد بمفاجأة الآخر بمواقف وحلول سياسية، وألا يوجد انقسام بين السلطة الفلسطينية وحركة «حماس».
■ لماذا تصف إسرائيل بـ«الكيان السادى»؟
- تظهر السادية فى تصرفات إسرائيل، كما فى الحرب الأخيرة على قطاع غزة، فكل الهدف هو أن يكون لدى إسرائيل أقوى جيش فى العالم، وهذا ما تبحث عنه بكل الوسائل الإعلامية والنفسية والمادية، لكن فى الحقيقة هى كيان ينتصر على النساء والأطفال والشيوخ، وعلى المستشفيات والمدارس، فهو ليس بفارس، لكنه سادى يريد أن يرى الدم فقط ليرتاح، ويشعر بالراحة من تعذيب الأشخاص، فهو يهدم كل شىء ليجرد الفلسطينى من كل شىء.